(ولنا في حكمة الإسراء رأي نبديه! ولسنا ندري أسُبقنا إليه أم لم نُسبق!
وسرد تصوير المستشرق (درمنجم) ثم قال: وأنت تقع على ما قصه منثوراً في كتب السيرة، وإن كنت تجد فيها خلافاً بزيادة أو نقص في بعض نواحيها ..) ثم قال: وهنا موضوع الرأي الذي نريد أن نبديه، ولا ندري أسُبقنا إليه أم لم نُسبق، ففي الإسراء والمعراج في حياة محمد الروحيّة معنى سَامٍ غاية السُمو، معنى أكبر من هذا الذي يصوّرون، والذي قد يشوب بعضه من خيال المتكلمة الخصب حظ غير قليل، فهذا الروح القوي قد اجتمعت فيه ساعة الإسراء والمعراج وحدة هذا الوجود بالغة غاية كمالها، لم يقف أمام ذهن محمد وروحه في تلك الساعة حجاب من الزمان أو المكان أو غيرهما من الحجب التي تجعل حكمنا نحن في الحياة نسبيًّا محدوداً بحدود قوانا المحسّة والمدبرة والعاقلة، تداعت في هذه الساعة كل الحدود أمام بصيرة محمد، واجتمع الكون كله في روحه، فوعاه منذ أزله إلى أبده، وصوره في تطور وحدته إلى الكمال عن طريق الخير والفضل والجمال والحق في مغالبتها، وتغلبها على الشر والنقص والقبح والباطل، بفضل من الله ومغفرة!
وليس بمستطيع هذا السمو إلا قوة فوق ما تعرف الطبائع الإنسانيّة، فإذا جاء بعد ذلك ممن اتبعوا محمداً من عجز عن متابعته في سمو فكرته، وقوة
(١) انظر: إتحاف السادة المتقين شرح إحياء علوم الدين: ٩: ٦٨٤.