وهنا نبصر الحياة في سرائها وضرائها، في كريهتها ومنشطها، في ضيقها ورخائها .. ونبصر من عاش مع الضعفاء شاعراً بضعفهم وبإحساسهم، لا يسير وراء الأماني والأحلام!
ثم جاء المال، فكان الشاكر الذي يفيض بالخير على غيره، ويعلم حق المال في مورده ومصرفه معاً، فلا يكسب إلا من طيب، ولا ينفق إلا في طيب، وهو في كسبه وإنفاقه لا يكون إلا نافعاً، فكسبه طيّب، وصرفه طيّب!
وهكذا نبصر في حياة الرسول - صلى الله عليه وسلم - قبل البعثة أنه ضرب للناس أعلى مثل للعامل الصابر، والغني الشاكر الذي عاش كالضعفاء في غناه، فكان غني النفس في الحالتين!
[الرسول - صلى الله عليه وسلم - يعمل في بناء الكعبة]
والناظر إلى موضع الكعبة المشرفة من مكة المكرمة، يراها في مطمئن من الأرض (١)، تحيط بها الجبال من كل جانب، مما جعلها في الأزمنة الغابرة قبل أن يعمر ما حواليها بالبيوت والمساكن، ومشيد البنيان، عرضة لجوارف السيل، وقد خافت قريش عواقب ذلك على البيت أن تهدمه السيول، فأقامت ردماً من حوله جعلوه مطلاً على البيت لحمايته، فكانت السيول تأتي من فوق هذا الردم حتى كادت تزيله، وكانت تعلوه حتى تدخل البيت، فتصدع وخافوا أن ينهدم، وكانت أبواب البيت لاطئة بالأرض، فسرقت خزائنه وهداياه التي كانت تهدى إليه، فتلقى في بئر داخله، فاجتمعت قريش وقالوا: لو بنينا بيت ربنا، وكان البيت شرفهم وعزهم، فقسموه أرباعاً واقترعوا عليه!
(١) محمد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ١: ١٨٧ وما بعدها بتصرف.