ونبصر مواقف العامة من الدعوة، ونحن نذكر مواقف الذين كان منهم من يسمع النبي - صلى الله عليه وسلم -، ويؤخذ بما يسمع من هداية فيحسن الرد .. ومنهم من يقف حائراً لا يخطو إلى ساحة الإيمان ... ومنهم من كان يسيء الردّ في جفوة جاهلة، وعنجهيّة فاجرة، وبأو مغرور .. مع أدب الدعوة المعروف .. ومنهم من طمع واشرأبّ للدنيا، ورأى في عرض النبي - صلى الله عليه وسلم - نفسه عليهم في مضاربهم ومنازلهم يدعوهم إلى أن يؤوه حتى يبلّغ رسالة ربّه -كما أسلفنا- فرصةً سانحةً لتحقيق مآربه من العلوّ في الأرض، فكان النبي - صلى الله عليه وسلم - يُفهمهم في هدوء ويقين أن أمره وأمر دعوته ورسالته ليس أمر دنيا تحاز، ولا مطامع فيها تنجز، ولا مآرب من مظاهرها تحقَّق .. وإنما أمره أمر دعوة إلى الله الحق، مالك الدنيا والآخرة، وهو - صلى الله عليه وسلم - ليس له من الأمر شيء، والأمر كله بيد الله يضعه حيث يشاء، وهو في أشدّ الحاجة إلى من يحرزه ويأويه ويحفظه مما يُراد به من القتل والفتك .. إنه رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ليس عليه إلا بلاغ رسالة الله، وليس أن يعد أحداً بأن الأمر بعده له؛ لأن الملك لله تعالى يؤتيه من يشاء، وليس وراء ذلك منزلة من منازل الصدق والأمانة والإخلاص!
قال ابن إسحاق (١): حدثني الزهري أنه - صلى الله عليه وسلم - أتى بني عامر بن ععصعة، فدعاهم إلي الله عزَّ وجلَّ، وعرض عليهم نفسه، فقال له رجل منهم- يقال له:(بَيحرة بن فراس)، قال ابن هشام: فراس بن عبد الله بن سلمة (الخير)
(١) السيرة النبوية: ابن هشام: ٢: ٧٦، صرح ابن إسحاق بالسماع، وسنده مرسل، والطبري: التاريخ: ٢: ٣٥٠ - ٣٥١، وأبو نعيم: "الدلائل": ١٠ وفيه الكلبي، وابن سعد: الطبقات مختصراً: ١: ٢١٦ من طريق الواقدي.