للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

التحدّي بالقرآن:

وهذه الآيات المعجزة، والعجائب الخارقة للعادة، على كثرتها وتنوّعها، وصحة وقوع حوادثها، لم يقع بها التحدّي العام لإثبات دعوى الرسالة، كما وقع بالقرآن الكريم، الذي تحدّى العالمين، فكان هو بذاته ونصّه موطن الدعوة والشاهد على صدقها شهادة بلغت مبلغ اليقين (١)، فقد أهاب القرآن الكريم بغطارفة المشركين الوثنيين، وكانوا أرفع البشر فصاحة، وأبلغهم بياناً، وأروعهم بلاغة، وأبرعهم منطقاً، وأذربهم ألسنة، وأهداهم إلى طريق البراعة البيانيّة سبيلاً، وكانوا يدلّون على الناس بصفاء قرائحهم وحدّة مداركهم، فتحدّاهم أن يأتوا بحديث مثله، آية فما فوقها، وقد تدرّج معهم التحدّي بعشر سور من مثله، ثم إلى سورة واحدة، ولم يتركهم بعد هذه المراتب المتدرّجة حتى غمز قناتهم، وأذلّ استكبارهم، وسخر بغرورهم، وهزأ بتنفّجهم وغطرستهم، فأنبأهم وهو يتحدّاهم بأنهم عاجزون عن معارضته عجزاً لا تواتيهم فيه قدرة على هذه المعارضة، في أي صور التحدّي المتدرجّ، فقال لهم:

{وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ وَادْعُوا شُهَدَاءَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (٢٣) فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ (٢٤)} (البقرة)!


(١) محمَّد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ٢: ٣٤١ وما بعدها بتصرف.

<<  <  ج: ص:  >  >>