وذكر الجنّ في هذه الآية بيان لبلوغ التحدّي والتعجيز غاية يقف عندها غرور التفاصح الأجوف ذليلاً خزيان لا يبين!
فالآيات الحسّيّة المادّيّة التي أعطيها نبيّنا محمَّد - صلى الله عليه وسلم - كانت تشريفاً وتكريماً له، وإشارةً بمنزلته عند ربّه، وتنبيهاً للغافلين الذين لم تتبوأ عقولهم مكانتها من الرشد في الإدراك، حتى تتكامل له - صلى الله عليه وسلم - دعائم تبليغ رسالته في عمومها وخلودها، ليجد فيها وفي وسائل عرضها كل عقل إنسانيّ طلبته المصاحبة لاستعداده، حتى إذا نهض من كبوة جهله، واستشرف آفاق العلم والمعرفة وجد أمامه القرآن العظيم كتاباً محكماً حكيماً، صدوق الدّلالة، عميق البرهنة، سيّال الفكرة، منطلق الحقائق، غزير المعاني، لطيف المأخذ، خالد التحدّي، أَبَديّ الإعجاز بهدايته، مهيمناً على ما جاء به الأنبياء والمرسلون من آيات قاهرة، على مثلها يؤمن البشر: