هؤلاء وهؤلاء تجّار يستوفون أجورهم في هذه العاجلة، ولا يبقى لهم منها رصيد، في الآجلة!
وتلك هي النفوس الأرضيّة الطينيّة!
ألا ترى القرآن الحكيم حين وعد الله المتقين الوعد الجميل، اشترط أن تتجرّد صدقاتهم من هذه المبادلات والمعاوضات السابقة واللاحقة؟ هكذا يقول جل شأنه: {وَسَيُجَنَّبُهَا الْأَتْقَى (١٧) الَّذِي يُؤْتِي مَالَهُ يَتَزَكَّى (١٨) وَمَا لِأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزَى (١٩) إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الْأَعْلَى (٢٠)} (الليل)!
أما النيَّة المثاليّة في الصدقات، فهي النيّة النقيّة المصفّاة من كل عوض، المتنزّهة عن كل غرض، وإنما يقصد بها وجه الله تعالى خالصاً، وتلك هي النفوس العلويّة الربانيّة، التي وصفها القرآن في غير ما آية:
وهكذا كانت أول حملة تطهيريّة أعلنها القرآن الحكيم في مكّة -بعد حملته على الشرك والوثنيّة- حملته على ذلك الداء الاجتماعي الوبيل، داء تكديس الأموال وتجميعها، وحبسها من الانتفاع بها في وجوهها المختلفة، لخدمة الفرد والجماعة!