عشرات من السور المكّيّة، كان من أوائل أهدافها تليين تلك القلوب المتحجّرة، وحلّ تلك الأنامل المعقودة، تطهيراً لها من وصمة الشح والبخل، وتحلية لها بحلية السخاء والبذل!
ثم لم يقصر القرآن دعوته على واجدي المال، مناشداً إيَّاهم أن يبذلوه، ولكنه دعا كذلك فاقدي المال، أن يجدّوا ليكتسبوه ويبذلوه!
وبعد أن رأينا القرآن يضع أساس فريضة الكسب، وأساس فريضة البذل، رأيناه يرسم لكلتا الفريضتن آدابها ومناهجها، من حيث الوسائل والمقاصد، ومن حيث المصادر والموارد، ومن حيث المقادير والمعايير!
هذه الحملة الواسعة المنظمة، في مكافحة مرض الحرص والبخل، إنما كان هدفها ذلك النوع الذي يعرفه الناس باسمه، وهو ضنّ الإنسان الواجد بشيئه الذي في يده!
غير أن هناك نوعاً آخر، لا يعرفه الناس باسم البخل، وهو مع ذلك شر أنواع البخل، وأذلّ ضروب الحرص، وهو مرض يصاب به الغنيّ والفقير، والواجد والمحروم على السواء، ذلك هو ضنّ الإنسان بشيء غيره، وبما ليس في يده!
ماذا نقول؟!
هل يتصوّر في العقل أن أحداً يضنّ بشيء غيره، وبما ليس في يده؟!
نعم! وهل الحقد والحسد إلا ذلك؟!
فالحسود لا يبخل على محسوده بما عنده فحسب، بل يكره أن تصل نعمة الله إليه، ولا يرضى أن ينزل الله من فضله عليه!