للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لقد صدق الله تعالى إذ يقول: {فَإِنَّهُمْ لَا يُكَذِّبُونَكَ وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ (٣٣} (الأنعام)!

ونبصر الخطاب للرسول - صلى الله عليه وسلم - ليظل في دعوته لا يثنيه سوء أدبهم معه، وسوء اتهامهم له، ونحن نقرأ قول الله تعالى: {فَذَكِّرْ فَمَا أَنْتَ بِنِعْمَتِ رَبِّكَ بِكَاهِنٍ وَلَا مَجْنُونٍ (٢٩)} (الطور)!

يقول الزمخشري: فاثبت على تذكير الناس وموعظتهم، ولا يثبطنك قولهم:

(كاهن أو مجنون)، ولا تبال به، فإنه قول باطل متناقض؛ لأن الكاهن يحتاج في كهانته إلى فطنة ودقة نظر، والمجنون مغطى على عقله، وما أنت - بحمد الله وإنعامه عليك بصدق النبوة ورجاحة العقل- أحد هذين (١)!

ويقول الشوكاني: أي اثبت على ما أنت عليه من الوعظ والتذكير، والباء في قوله {بِنِعْمَتِ} متعلقة بمحذوف هو حال، أي ما أنت -متلبساً بنعمة ربك التي أنعم بها عليك من رجاحة العقل والنبوة- بكاهن ولا مجنون، وقيل: متعلقة بمحذوف يدل عليه الكلام، أي ما أنت في حال إذكارك بنعمة ربك بكاهن ولا مجنون، وقيل الباء سببيّة متعلقة بمضمون الجملة المنفية، والمعنى: انتفى عنك الكهانة والجنون بسبب نعمة الله عليك، كما تقول: ما أنا بمعسر بحمد الله، وقيل: الباء للقسم متوسطة بين اسم (مَا) وخبرها، والتقدير: ما أنت -ونعمة الله- بكاهن ولا مجنون، والكاهن: هو الذي يوهم أنه يعلم الغيب من دون وحي، أي ليس ما تقوله كهانة، فإنك إنما تنطق بالوحي الذي أمرك الله بإبلاغه، والمقصود من الآية رد ما كان يقوله المشركون: إنه كاهن أو مجنون (٢)!


(١) تفسير الكشاف: ٤: ٣٥.
(٢) تفسير الشوكاني: ٥: ٩٩، وانظر: تفسير الألوسي: ١٤: ٢٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>