وبعد أن أشرنا إلى مكانة السيرة النبويّة عبر التاريخ, وخصائصها، ومصادرها، نجد أنفسنا أمام الحديث عن مناهج المؤلفين في السيرة، فيما يلي:
أولاً: المنهج التاريخي:
وهو المنهج الذي التزمه المؤلفون في السيرة، والذي اعتمده مؤرخونا، وعرفوه باسم (الحوليات)(١)، وهو ذكر الحوادث كما وقعت، من حيث الزمان، دون النظر إلى الوحدة الموضوعيّة بين السابق واللاحق!
وفيه بيان وجه من وجوه عظمة الرسول - صلى الله عليه وسلم -، حيث كانت حياته -كما أسلفنا- صفحة عريضة من صفحات الجهاد -في الداخل والخارج- لإنقاذ البشريّة، فانتشلها من ضياع، وانتاشها من هلاك، وأنقذها مما كانت تتخبّط فيه من دياجير الظلام، وعقابيل الضلال، وواجه المشركين، واليهود، والنصارى، في معارك كثيرة!
وفيه -أيضاً- كثرة الآثار، مع كثرة عدم الالتزام بقواعد التحديث رواية ودراية، وربّ رجل مجروح عند أهل الحديث ثقة عند أهل السير، وعلّلوا ذلك باختلاف الغرضين، حيث إن غرض المحدث ذكر الأحاديث التي هي مناط معرفة الحلال والحرام، وغرض المؤلف في السير والتواريخ ذكر أخبار ليست مناط الحلال والحرام غالباً، فمن ثم تساهلوا، ووجدت في كتبهم الروايات
(١) انظر: دراسة في السيرة: دكتور عماد الدين خليل: ٦ وما بعدها، مؤسسة الرسالة ١٣٩٤ هـ ١٩٧٤ م.