ويطيب لي أن أقدّم هذه الشكوى للمفكر الإِسلامي المرحوم محمَّد إقبال (١) ... نراه في مطلع هذه الشكوى يصوّر أشجانه وآلامه، ثم يوجّه العتب المرير إلى النفس واستسلامها للمحن، ويقول:
لماذا أبقى بقاء الزهرة الخرساء، ولا أحلّق كالطير المغرّد .. ثم يستأذن .. وفي فمه التراب، ليعلن صرخة المسلمين، ويجأر بدعواتهم، ولم لا؟! وقيثارته مملوءة بالأنين والأشجان، تريد أن تنطلق على شفتيه بأنفاسه المتصاعدة!
ربّاه! إليك شكوى عبيدك الأوفياء الذين لم يتعوّدوا إلا إزجاء الحمد وترتيل الثناء!
لقد كانت الدنيا قبل هذا الدين الإِسلاميّ عالمًا من الظلام، تسوده الوثنيّة، وتحكمه الأصنام .. وفي بقاع هذا المعمور كانت سجدات الإنسان لا تعرف غير الأوثان .. ولم يكن الإنسان يعبد غير هذه التماثيل المنحوتة من الأحجار، والصور المصنوعة من الأشجار، وحارت فلسفة اليونان وتشريع الرومان، وضلّت حكمة الصّين في الفلوات، ولكنَّ ساعد المسلم القويّ اقتلع من الأرض شجرة الاتحاد، وأطلع على الإنسانيّة نورًا من التوحيد وظلًّا من الاتحاد!
ربّاه! لقد كانت بساتن هذا الكون بغير أنغام، وأزهارها خالية من العطر، وكان هواؤها دوي العاصفة، ونسيمها دمدمة الرعود، حتى إذا جاء
(١) فلسفة إقبال والثقافة الإِسلاميّة في الهند وباكستان: ٧٧ وما بعدها بتصرف.