رسول مكّة الأمّيّ علّم أهل الأرض حياة أهل السماء، ودلّ سكّان عالم الفناء على طريق عالم البقاء!
نحن الذين نشرنا في الأرض العبير، ومحونا آية الليل بآية الصبح المنير، أصبح إيماننا جنون عشق، فوجهنا الإنسانية بنورك في مثل كرة الطرف إلى معرفة الحق والنور والجمال!
لقد كانت الدنيا عامرة بشعوب وممالك، وكان بها السلجوقي والتوراني والصيني، وكان بها ملك ساسان وبقايا الرومان واليونان، فرفعنا علم التوحيد، وجمعنا أبناء البشر وأجياله أسرة مؤمنة بك موحّدة لك، أصلحنا الفاسد، وقوّمنا المعوجّ، وناضلنا في البر والبحر، وارتفع صوتنا بالأذان فوق معابد أوروبا، وارتسمت سجداتنا على رمال الصحراء في إفريقيا، لم نخش عسف الأكاسرة، ولا طغيان الجبابرة، ولا سلطان الأباطرة، وأسمعنا العالم كله كلمة التوحيد، وصليل السيوف المشرعات كان يدوّي مع الهاتفين "لا إله إلا الله وحده لا شريك له، الملك القدّوس العزيز الحكيم"، لم نكن نحرص على الحياة، ولكن كنا نجاهد من أجل دينك ليحيا إلى الأبد في تفانينا، وما بعنا الأرواح لدنيا نشتريها، بل كنا نطوف حول الكرة، ورؤوسنا على أكفنا، لنجعل اسمك الأعلى مناراً، ونحن نحطم في تطوافنا الهياكل والأصنام، جاعلين فضتها ونضارها تراباً تحت الأقدام، ولو أن أقدام الأسود تزلزلت من هول الميادين، فلقد كانت أقدامنا على الشوك والنار لا تأذن لشمس النهار أن تغرب حتى يضيء لنا هلال الانتصار، لقد نقشنا توحيدك على كل قلب، والإيمان بك في كل ضمير، نرحّب بالحتوف، ونرى الجنّة تحت ظلال السيوف!