وقد حزَّ في أنفس طغاة الشرك أن يبوء بالخُسران المبين تدبيرهم السيّء، ومكرهم الحقود، إذ ردّ الله كيدهم في نحورهم، وحاق بهم سوء مكرهم، فشرقوا بما دبّروا، وازدادوا عتوًّا وفجوراً في عتوّهم فافتنّوا في تعذيب من تمكّنوا من تعذيبه من المؤمنين، ومنعوهم من كل ما يحفظ عليهم دماء الحياة ويسدّ الرمق .. والمؤمنون صابرون محتسبون، لا يزيدهم هذا الطغيان إلا رسوخاً في يقينهم، وإيماناً برسالة دينهم، واستمساكاً بعقيدتهم .. واستشرى الحقد في صدور أحلاس الوثنيّة فأحرق قلوبهم، وزئر كل قبيل منهم بكل من كان يمتّ إليهم من المؤمنين بصلة قرابة، أو ولاية أو حلف، فلم ينل ذلك من إيمانهم شيئاً، فكان هذا الثبات على الإيمان تحت أسواط التعذيب أغيظ لملأ الكفر من عتاة المشركين، ولاسيّما أن النبي - صلى الله عليه وسلم - بعد أن خرج بمن معه من المؤمنين من محنة الحصار مظفَّراً قويًّا، ماضي العزيمة، لا يصدّه عن المضيّ في نشر دعوته فادح البلاء، ولا يثنيه عن تبليغ رسالته زمجرة الطغيان .. ازداد تحرّكه وازداد اتّصاله بالناس في مجتمعاتهم ومحافلهم وأنديتهم، يدعو إلى الله، ويسمعهم آياته، فلم يكن - صلى الله عليه وسلم - يسمع بمنزل شريف من أشراف العرب إلا جاءه ودعاه وقومه إلى الله، فازداد بذلك انتشار الدعوة، وتسامعوا بتفاصيل محنة الحصار، وتقاسم الطغاة البغاة العتاة على الكفر والقطيعة، وعرفوا تأييد الله لنبيّه - صلى الله عليه وسلم - في نقض تلك الصحيفة الظالمة التي تعاهد فيها الظالمون، وتقاسموا على القتل والفتك بأبشع صوره .. وذاع في أسواق العرب ومواسمهم ما وقع في الحصار من معجزات باهرات وآيات قاهرات!