وقسوته، بحيث يعجز القلم عن تصويره بحال، وقد شهدت شيئاً من ذلك بنفسي وعايشت ما يعجز الخيال الشاخص عن تصوره، وأحتسب ذلك عند الله تعالى .. إلا أن هذا كله لا يزن شيئاً أمام ما أوذي به رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في تعويق رسالته، ووضع العقبات أمامها، وهذا درس للدعاة إلى الله .. وأسأل الله الشهادة في سبيله آمين آمين آمين!
بيد أن جماهير القبائل العربيّة، وفيهم عقلاؤهم وحكماؤهم، وذوو رأيهم كانوا يرجعون من مواسمهم، ولا حديث لهم إلا في شأن الرسالة والرسول - صلى الله عليه وسلم - وشأن الدعوة إلى الله تعالى!
وكان صدى ذلك يرجع في آفاق مكة، فيصك آذان ملئها وزعمائها، ويلج إلى قلوبها وأفئدتها فيحرقها، فرعبت قريش رعباً شديداً، وداخلها خوف أقلقها، فأقامها وأقعدها، فهي قد فشلت في كل ما دبرت وقدّرت في مناهضة دعوة محمَّد - صلى الله عليه وسلم -، فقد مكرت به لتقتله - كما سيأتي- وقد دبّرت له كل ما تمخضت عنه قرائح ملئها من السوء والتعذيب والإيذاء .. وها هي ذي ترى بأعينها دعوته تسري إلى العرب في منازلهم، ويتحدث الناس عنها، ويتجاوز الحديث عنها الغوغاء والجماهير إلى الحكماء والعقلاء وذوي الرأي من الشعراء والخطباء والحنفاء الذين أدركوا ذرواً من الحنفيّة ملة إبراهيم عليه السلام، فتعلّقوا به انتظاراً لبعث خاتم الأنبياء والمرسلين!
[٢٦ - موقف الوليد بن المغيرة]
وسبق أن عرفنا كيف اجتمع ملأ قريش وعباهلتها إلى طاغيتهم، شيخ الكفر، أشيب بني مخزوم، ومديان العرب وصاحب ثرائهم، ومالك ناصية