وسابع ما يطالعنا: دور الرسالات الإلهية في قيادة (العقل) إلى مجاهد الطبيعة ومطبوعها ومداخل الوجود، وبواطن الحياة .. بل إلى ما وراء الطبيعة وإلى ما فوقها .. إلى الخالق جل شأنه، وإلى عظيم قدرته، وباسط سلطانه، وبالغ حكمته، وواسع علمه، وهيمنة إرادته .. وإلى الكون وما فيه من أسرار وآيات ودلائل، تدل بما اشتملت عليه من نظام متماسك، وقوى مترابطة، وسن متوافقة، ومنافع متتابعة، على فضل الله ورحمته، ولطفه وإحسانه، وجوده وقهره، وكبريائه ولطائف تدبيره!
وهذا مجال تنبيه وإرشاد، تتجه فيه الرسالات الإلهيّة إلى مخاطبة (العقل)، لتوجيهه إلى تعرّف جلال الكون، وعظمة الوجود، وخطر الحياة، ليقف منها على وشائج التكوين والإبداع التي تصل الخلوق بالخالق، وتربط بي أجزاء الوجود، وتكشف عما طوي فيها من منافع واستجابات لرغبات الإنسان المادية والروحية!
وكلما اتسعت معارف (العقل) عن حقائق الكون ازدادت استجابات الحياة له، وقوي سلطانه في تسخير قوى الطبيعة فيما يفيد النوع الإنساني، ويرقّي عناصره، ويدعم قواه، ويهيئ أمامه الفُرص للتغلب على احتمال أعباء الحياة في ثقة واطمئنان!
وليس (العقل) بمعصوم من الزلل والخطأ، بل ربما كان من الحق أن يقال إنه كثير الخطأ والزلل، ولا سيما إذا ضعف أمام الغرائز والقوى الحيوانيّة، واستجاب لدواعيها، وخضع لسلطانها، فإنه حينئذ يصبح أداة طيّعة لهوى