لمن أنزل عليه الكتاب - صلى الله عليه وسلم -؛ لأن الحديث من أوّله تبشير وإيحاء لمستقبل، فذلك من الأنباء بالغيب، والإخبار بما لم يقع، وإلا فهم قد أفسدوا من قبل .. فالمرّتان المعنيتان في الآية وقعتا بعد، وقد أكّد ذلك إعجاز القرآن وصدق ما جاء به محمَّد - صلى الله عليه وسلم -!
لا تنطبق هذه المرّة تمام الانطباق إلا على الدّور الذي قاموا به على عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه، وما عاقبهم الله به، وسلط عليهم فيه!
فهم أفسدوا في الأرض، ونقضوا عهد الله ورسوله، وكان - صلى الله عليه وسلم - قد عاهدهم أوّل ما وصل المدينة! (١)
رغم هذه الرعاية والمصافاة والمواساة، انطلقوا بالبغي والمكر والفساد في الأرض، يشككون في شخص النبي - صلى الله عليه وسلم - ونزاهته ورسالته، ويفتون المشركين أنهم أهدى من الذين آمنوا سبيلاً!
ويفتحون دورهم وصدورهم لأعداء النبي - صلى الله عليه وسلم -، ويدلونهم على عورات المؤمنين، وبلغ من أمرهم أن همّوا بقتل الرسول - صلى الله عليه وسلم - غير مرة -كما عرفنا- وهيَّجوا قريشاً وغطفان، حتى حاصروا المدينة، للقضاء على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ودعوته وأتباعه، وانضموا لهم، ونقضوا عهد الله ورسوله في ساعة الشدة ويوم الأحزاب، فسلط عليهم عباده المؤمنين، فأجلوا بني قنقاع، وبني النضير،
(١) ذكر هنا نصوصاً من وثيقة موادعة اليهود، وقد رواها ابن إسحاق: ٢: ١٧ - ١٨ بدون إسناد: انظر كتابنا: الهجرة النبويّة: ٣٤٢ وسيأتي تفصيل القول في ذلك!