النقيّة الطاهرة .. لم يقع ما يغمط حق العقل الإنساني في إدراكاته ومعارفه، ولم يقع منه قط ما يخدش وجه الفضيلة، فهو - صلى الله عليه وسلم - كما أسلفنا- أكمل البشر خَلْقًا وخُلُقًا، وأعدلهم عملًا، أرسله الله رحمة للعالمين بالهدى ودين الحق!
وهذه الطبيعة البشريّة تعني شخصيّة محمَّد - صلى الله عليه وسلم -، التي عرفه الناس عليها، وعرفته الحياة كلها بها، وعرفه التاريخ بخصائصها إنسانًا من الناس، اصطفاه الله نبيًّا ورسولًا، بلّغ الناس رسالة ربّه، فهدى الله به من شاء من عباده، ويهدي لرسالته من يشاء من خلقه!
فهي أحد جانبي طبيعته الزدوجة من عناصر البشريّة وخصائصها الماديّة والروحيّة العامة، التي لا يكون الإنسان إنسانًا إلا بتكامل تلك الخصائص الإنسانيّة بشقّيها المادي والروحي العام!
وبهذا التصوير يتبيّن وجه اعتبارها جانبًا من جانبي الطبيعة المزدوجة لشخصيّة (محمَّد رسول - صلى الله عليه وسلم -)، وبالفواصل الخصائصيّة بينها وبين الجانب الروحاني يتبيّن وجه اعتبارها طبيعة مستقلة بالنسبة إلى خصائص الجانب الروحاني الذي اعتبرناه -بالنظر إلى خصائصه- طبيعة مستقلة، ولكن الوشائج التي تربط بين الجانبين أو الطبيعتين أقوى من الفواصل الخصائصيّة بينهما!
ومن ثم نبصر ميلادًا جديدًا للحياة جدّد معالمها، يوم أن تمّ أول لقاء بملك الوحي يقظة في (غار حراء) .. ذلك الميلاد هو ميلاد الرسالة بخصائصها في أكمل الكمالات الروحانية، وأعظم إشراقاتها العقليّة، وأنوارها العليّة، وتناسباتها الملائكيّة!
هذه الطبيعة الروحانيّة هي الميلاد الجديد، ميلاد (رسالة محمَّد - صلى الله عليه وسلم -) الذي كان في الحقيقة ميلادًا للحياة، تجدّدت به معالمها، وتغيّرت به طرائقها،