التي عاش بها إنسانًا مع الناس في حياتهم (١)، يعاشرهم، ويتبادل معهم مطالب الحياة التي تقتضيها طبيعة البشر في دائرة أفضل الكمالات التي يمكن أن يكون عليها إنسان في حياته مع الناس!
وهذه الكمالات الإنسانيّة هي التي نشأ عليها، وعُرفت له في قومه وبلده، فتزوّج ووُلد له، وقام على رعاية أولاده وزوجه، وأصهر إلى أكرم قومه، وتعاون في أمور العيش وتكاليف الحياة وأعبائها مع أهله وجيرانه، وسائر قومه، يواسي قرابته، ويحسن إلى خدمه، ويكرم ضيفه، ويبرّ إخوانه وأصدقاءه، ويأكل ويشرب .. وينام ويصحو، ويغضب ويرضى، ويعطي ويأخذ، ويسافر ويحضر، ويثيب على ما يقدم إليه من خير أفضل منه، ودود كريم، حييّ حليم، يصدق الحديث، ويؤدّي الأمانة، وفيّ بالعهد، سليم الصدر، يعين الضعفاء، أغنى الناس بالقناعة، وأجودهم بالعطاء، يألف ويؤلف، عزوف عن الدنيا، لا يزاحم عليها، ولا يخاصم في شيء منها، يلجأ إليه قومه، ويشاركهم في أعمال الشرف والمروءة!
وهو - صلى الله عليه وسلم - في ذلك كله من مآثر طبيعته البشريّة لا بدّ أن يكون دائبًا على تبليغ رسالة ربّه، يدعو إلى الله تعالى، ويرغب في الخير، ويعظّم في أنفسهم نعم الله عليهم، ويجاهد أعداء الله، ويقيم موازين العدل!
وهكذا كان يقوم في ظل طبيعته البشريّة بكل ما تتطلبه حياة الناس بما كان لهم من أعراف عادلة، وعادات فاضلة، وأخلاق عالية، وخلائق نبيلة، في حدود كمالاته الإنسانيّة التي نشأ عليها جبلّة وتخلّقًا، مع عظيم قيامه بحق تبليغ رسالته، فلم يقع منه في حياته البشريّة ما يفسد الفطرة الأصيلة