وتمثُّل جبريل عليه السلام في صورة رجل اختيار لشكل بشري تتغلّب فيه مظاهر الطبيعة البشريّة على مظاهر الطبيعة الملائكيّة التي هي باقية كامنة كاملة، كما بقيت طبيعة البشريّة كامنة كاملة عند رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، حين تلقّى وحي اليقظة والمواجهة، وهذا التمثّل يقع تأنيسًا للنبي -صلى الله عليه وسلم-!
وتغلّب مظاهر البشريّة في حالة تمثّل الملك رجلًا لا يقتضي تحوّل روحانيّة الملك إلى طبيعة بشريّة بعناصرها الماديّة، ونوافذ إدراكاتها الحسيّة، ولا يقتضي فناء الحقيقة الملائكيّة، بل إن طبيعة الملك الروحانيّة باقية حال التمثّل في صورة بشريّة على أكمل حالاتها التي لها في الملأ الأعلى، لكنها تكون حين التمثّل مقيّدة بالصورة التي تشكّل فيها عند مجيئه إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، ليبلّغه عن الله ما أمر بتبليغه، ولا سيّما إذا كان هذا التبليغ، يتعلّق بتعليم الناس أمر دينهم، وينتهي تقيّدها بالصورة التي تمثّلت في إهابها بانتهاء التبليغ والتعليم، كما ثبت في حديث تمثّل جبريل -عليه السلام- فيما رواه الشيخان وغيرهما عن أبي هريرة رضي الله عنه: أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان يومًا بارزًا للناس، إِذ أتاه رجل يمشي فقال: يا رسول الله!، ما الإِيمان؟ قال:"الإِيمان أن تؤمن بالله، وملائكته، ورسله، ولقائه، وتؤمن بالبعث الآخر" قال: ما الإِسلام؟ قال:"الإِسلام أن تعبد الله، ولا تشرك به شيئًا، وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة المفروضة، وتصوم رمضان"! قال: يا رسول الله! ما الإِحسان؟ قال:"الإِحسان أن تعبد الله كأنك تراه، فإِن لم تكن تراه فإِنه يراك" قال: يا رسول الله! متى الساعة؟ قال: "ما المسؤول عنها بأعلم من السائل، ولكن ساحدّثك عن أشراطها: إِذا ولدت الأمة ربّتها فذاك من أشراطها، وإِذا كان الحفاة العراة رؤوس الناس فذاك