هذا الإيمان هو الذي دفع أبا طالب إلى أن يقول -كما سبق لهؤلاء: والله!
ما كذبنا ابن أخي، فارجعوا!
ولابد أن الرؤوس الخاوية قد شعرت بالقوّة التي تجدّدت لدعوة محمَّد - صلى الله عليه وسلم - في تبليغ رسالته .. ولابد أنها شعرت بالخطر يتهدّدها في وثنيّتها وشركها، وفي طغيانها المادّي، وسُحتها وربويّاتها وتجارتها ومضارباتها .. فرجفت بهم الأرض من تحتهم، وهم في مجالسهم وأنديتهم .. ونظر بعضهم إلى بعض بعيون زائغة، تدور نظراتها في سهوم وذهول، كالذي يغشى عليه من الموت .. وتملّكهم الهلع والجزع، واستولى عليهم الرعب، واستحوذ على قلوبهم الجبن ومهانة الضعف، وضراعة الذل الحائر، فلم يفكّروا قطّ في تنفيذ وعيدهم وتهديدهم أبا طالب وابن أخيه، حتى يتفانى الفريقان!
وروى الحاكم عن ابن عباس رضي الله عنهما قال (١)!
مرض أبو طالب، فجاءت قريش، فجاء النبي - صلى الله عليه وسلم -، وعند رأس أبي طالب مجلس رجل، فقام أبو جهل كي يمنعه ذاك، وشكوه إِلى أبي طالب، فقال: يا ابن أخي، ما تريد من قومك؟ قال:"يا عمّ، إِنما أريد منهم كلمةً تذل لهم بها العرب، وتؤدّي إِليهم بها جزية العجم، قال: كلمة واحدة"!
قال: ما هي؟ قال:"لا إِله إِلا الله"! قال: فقالوا: {أَجَعَلَ الآلِهَةَ
(١) الحاكم: ٢: ٤٣٢ وقال: صحيح الإسناد، ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي، ورواه أحمد: ١: ٢٢٧، ٢٢٨، ٣٦٢، والترمذي (٣٢٣٢)، وعبد الرزاق (٩٩٢٤)، وأبو يعلى (٢٥٨٣)، والبيهقي: ٩: ١٨٨، والواحدي: أسباب النزول: ٢٤٦، وابن أبي شيبة: ٣: ٣٥٩، والنسائي: الكبرى (١١٤٣٦)، والطبري: ٢٣: ١٢٥، ١٢٦، والطحاوي: شرح مشكل الآثار (٢٠٢٩)، وابن حبان (٦٦٨٦).