يتاجرون بها العرب من وراء أسوار التنفّج المستكبر، والتعالي العتي بأنهم سدنة البيت الحرام، ومطعمو الحاج، وكان هذا التوجيه نقطة تحوّل في سير الرسالة، انطلقت منه إلى آفاق أرحب من آفاق مكة وقريشها، إلى جوّ أفسح من جوّ الطغيان الفاجر الذي كانت تعيشه قريش في بلدها، فخرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يعرض نفسه ودعوته على الناس في منازلهم، ويبلغهم رسالة ربهم في مجتمعات مواسمهم وأسواقهم، وقد أصبحوا في ذكر منه - صلى الله عليه وسلم -، وذكر من دعوته بما أحدثه طيش ملأ قريش في ترصّدهم لقبائل العرب، يحذّرونهم منه - صلى الله عليه وسلم -، ومن سحر كلامه، وفي الناس عقول، وللعقول وزن لما تسمع وما ترى، وقد أبى على كثير من العقلاء كرم إنسانيّتهم أن يلغي عقله، من أجل صيحات حاقدة، تطلقها حناجر بعض الدعاة إلى الشيطان من سفهاء قريش هنا وهناك، يعيبون بها محمداً - صلى الله عليه وسلم -، ويشوّهون بها دعوته، وما جاء به من الهدى والإصلاح، فليسمع العقلاء من محمَّد - صلى الله عليه وسلم -، ثم يحكموا .. أما أن يقول الحاقدون من غثاء الماديّة الوثنيّة قولاً، ثم يطلب إلى الناس من غير إعطائهم فرصة النظر الفاحص، والتدبر الباحث، أن يأخذوا هذا القول مقطع الفصل، فهذا ما لا ينبغي للعاقل أن يقبله، وأن يأخذ به نفسه!
وقد كان لهذا التوجيه بالخروج إلى الدعوة إلى مجالها الفسيح، ومواجهة العقول بها مواجهة مباشرة، بعيدةً عن التأثير التقليدي لمواريث الوثنيّة المتحمسة في قريش وملأ طغاتها أثر واسع المدى، عظيم الخطر، وإن كان مختلفاً اختلافاً بعيد الأطراف، ولكنه كان على ما لقي فيه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه من شدّة ومحن كانت في بعض صورها أشدّ وأعنف مما لقوه من قريش في مكّة -مليئاً بالخير والتقدّم بالدعوة إلى خطواتها القويّة الرصينة التي