الملك. الذي يؤتي ملكه من يشاء من عباده، وينزعه ممن يشاء، ويعزّ من يشاء، ويذلّ من يشاء، فسبحانه تقدّس، بنعمه وحمده، لا يطلب من عباده على إنعامه غير تسبيحه وتقديسه، فهل أنتم كذلك؟
وهنا بدر النعمان بن شريك -وكان يصغي ويسمع، ويعي ولا يتكلّم- ورأى أن الحوار بلغ نهايته بهذه البشرى الكريمة، فقال: اللهم لك ذا، وعند ذلك أراد النبي - صلى الله عليه وسلم - إنباءهم إعجازاً؛ ليجعل ذلك واقعاً وعداً من الله، فتلا عليهم ما خصّه الله به من نعوت الحمد والكمال، والمجد والنصر المؤزر في قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا (٤٥) وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُنِيرًا (٤٦)} (الأحزاب).
وقد تحقق ما أخبر به رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وفتحت فارس، وكان قائد فتحها الأول قائد شيبان، وصاحب حربها المثنى بن حارثة، وكان أبو بكر الصدّيق في خلافته، تأتيه أخباره في غمرة حياة فارس بغاراته عليها، واقتطاع أرضها، فيعجب به قبل أن يعرفه!
ولما انتهى هذا المجلس إلى غايته نهض رسول الله - صلى الله عليه وسلم - طيّب النفس بما سمع ورأى من القوم، ليترك أثر المجلس يعتلج في صدورهم، لعلّهم وعساهم!
وقد أعرب - صلى الله عليه وسلم - في أرفع بيان، وأبلغ أسلوب، وأصدق كلام، عن محاسن الأخلاق التي رآها في القوم، وهي من أخلاق العرب في جاهليّتهم، وعن أدبهم الاجتماعي بعضهم مع بعض في حوارهم وإصغائهم وحسن استماعهم لما يجري من الحديث، وفي أسلوب مخاطبتهم له - صلى الله عليه وسلم -، وهم لمّا يؤمنوا به بعد، وحسن تناولهم للحديث معه - صلى الله عليه وسلم -، وفي صدق صراحتهم، وصراحة