سفارته أمماً، بل وجّه إلى بيته -كما في روايات أخرى- ولم يخرج إليهم، معتزلاً مجلس ناديهم، فذهبوا إليه وسألوه عن اعتزاله عنهم، وعنتوه في موقفه منهم، حتى أكرهوه على شيء لم يكن ليختاره لو كان له خيار .. أكرهوه على أن يحلف ألا يكلّم محمداً - صلى الله عليه وسلم - أبداً؟؟ عجيب عاجب، ومنطق معكوس! أهذا منطق العقل -يا عاقل قريش، ومختارها لحل عقدة حياتها في أشدّ أزماتها؟ وما شأن محمَّد - صلى الله عليه وسلم - في موقفك مع قومك، وموقف قومك منك؟ ولا سيما موقف غميز الرجولة، وطريد الكرامة، ولعن المروءات صاحبك أبي جهل، إذ أحرجك وعنتك بكلماته الفاجرة حتي تخرج عن عقلك، وتقسم ألا تكلّم محمداً - صلى الله عليه وسلم - أبداً؟ وهل خلْت يا عاقل قريش، فتخيلت أن محمداً - صلى الله عليه وسلم - في حاجة إلى مكالمة عبيد الماديّة الوثنيّة، وأنت أحد ساداتهم، إن لم يؤمنوا با لله، ويكفروا بالطاغوت، ويستمسكوا بعروة دعوته الوثقى، ويحرّروا عقولهم وقلوبهم من التعبّد للماديّة في شتى أشكالها؟ أفما كانت العزّة العربيَّة والكرامة القرشيّة، والشهامة العبشميّة تقتضيك بداهة أن يكون موقف المقاطعة، هذا الذي اتخذته لنفسك أو حُملت عليه حملاً، فوقفته من محمَّد - صلى الله عليه وسلم -، وهو لا دخل له في حرجك- أن يكون حريًّا به منك صاحبك غميز الرجوليّة أبو جهل، فهو الذي عيّرك بالبطنة والبؤس والحاجة إلى طعام محمَّد - صلى الله عليه وسلم -، وطعام محمَّد - صلى الله عليه وسلم - غير مضنون به على عامة أو خاصة، وغير محجور على غني أو فقير، ولا ممنوع منه عاجز أو فقير، ولا يذاد عنه مسكين أو طريد، وكل طعام في ميزان الجود والمروعة لعاعة الدنيا وسدّ رمقها، فلا يقدره فوق ذلك إلا شبع زريّ، وبخل شريّ، وضنٌّ بغيّ!
ولكنها الماديّة الوثنية في كل زمان ومكان وعصر ومصر وجيل وقبيل، لا