للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وجمع له الحذر في أربع: أخذه بالحسنى، والقيام لهم فيما جمع لهم الدنيا والآخرة - صلى الله عليه وسلم -) (١)!

ويقول الشيخ أبو زهرة (٢):

ولنقف وقفة في تجزئة ذلك القول البليغ، ودلالته على ما رواءه، مما ينبغي أن تكون عليه أخلاق الداعي إلى الحق، وصاحب الرسالة، وأثر ذلك في الإجابة!

لقد قال بعض الكتاب معدداً الخوارق التي صاحبت الدعوة المحمديّة، فقال: إن أعظم الخوارق التي كانت لمحمد - صلى الله عليه وسلم - الأخلاق، فكانت في ذاتها أمراً خارقاً للعادة بين بني الإنسان، فهي أعلى من أخلاق الملائكة؛ لأن الملائكة حسنت أخلاقهم بمقتضى كونهم: {لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ (٦)} (التحريم)!

وليس فيه روحانيّة عيسى -عليه السلام- المجردة، بل كانت فيه الروحانيّة الإنسانيّة، بما في الإنسان من مطالب الجسم، وتجرد الروح، فحمد - صلى الله عليه وسلم - بين الناس الإنسان الذي تتجلى فيه الإنسانيّة الكاملة، وفي طبعه روحانيّة إراديّة، فكل ما فيه من أخلاق للتربية والإرادة دخل في تكوينه، فهو ليس حصوراً، ولكنه عفيف لم يتدل إلى خنا قط، ففضيلته كف للشر، وتجنب له، والعفة من حصور ليست كالعفة ممن له شهوات تغالبه، وأهواء تعاوده، وبمعركة بين القوتين تكون النصرة للعفة، والغلبة للفضيلة، وما يكون الوصول إليه بغلاب يكون أعلى وأنفس، مما يجيء رخيصاً سهلاً!


(١) الحديث رواه الترمذي في الشمائل، والبيهقي في "الدلائل": انظر: شمائل الرسول: ابن كثير: ٥٤ وما بعدها.
(٢) خاتم النبيين: ١: ٢٤٢ وما بعدها بتصرف.

<<  <  ج: ص:  >  >>