ووارثي عبء تبليغها، من الدعاة الصادقين، والعلماء العاملين، إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها!
وهذا درس إلهيّ من أبلغ وأعمق دروس تربية الداعي إلى الله تعالى في تجرده تجرداً كاملاً، من خطرات الاعتماد على قرابة أو عصبيّة .. لأن روابط القرابة وحميّة العصبيّة، قد يعرض لها من ظواهر البيئة، واهتزازات المجتمع ما يفكها، ويزيل وصائلها .. ولأن حميّة العصبيّة قد يعرض لها من أسباب تنازعها ما يطفئ شعلتها، ويُظلم قبسها، ويذيب وشائج تماسكها، ويحيلها أداة إزعاج، وذلك كما وقع من أبي لهب، عم النبي - صلى الله عليه وسلم -، فقد كان دون سائر بني عبد المطلب أعدى أعداء الدعوة الإسلاميّة، وأشدّ أعدائها أذى للرسول - صلى الله عليه وسلم -!
وقد نشر هذا المتبوب لواء العداوة للرسالة والرسول - صلى الله عليه وسلم - منذ اللحظة التي اصطفاه الله تعالى نبيًّا ورسولاً!
وتجلّى ذلك -كما أسلفنا- في أول موقف وقفه النبي - صلى الله عليه وسلم - لتنفيذ أمر الله تعالى له بالجهر بالدعوة، وكان المتبوب أبو لهب شرّ خلق الله موقفاً من الرسالة والرسول - صلى الله عليه وسلم - .. كان يتبع النبي - صلى الله عليه وسلم -، وهو يمشي إلى منازل الناس ومحافلهم في المواسم، يدعوهم إلى الله تعالى، تبليغاً لرسالته، ليصدّهم عن الاستماع إليه، ولو لم يكن لهذا الخبيث المتبوب من مواقف الخزي والعار، سوى موقفه الذي يدل على فقدانه الشعور بالنخوة الهاشميّة، والحميّة العصبيّة، والغيرة النسبيّة، والعزّة البيتيّة، بانحيازه إلى بطون قريش، تركه إخوته، وبني عمومته، يحصرون في شعب أبي طالب، حصاراً اقتصادياً قاتلاً، لكان حسبه هواناً وذلّةً في دنيا الأعزّة الأكرمين!