ذوات العصاة وأشخاصهم لا يقطع أواصر القربى والبرّ في الدنيا، والعود إليها بالإحسان إذا عادت إلى الإيمان والطاعة للرسول - صلى الله عليه وسلم -، والإيمان هو الموجب للموالاة!
وفي ذلك تقرير لمبدأ اجتماعي عظيم، تقوم عليه دعائم الحياة الاجتماعيّة في الإسلام؛ لأن ربط الموالاة والنفرة بالعمل دون الأشخاص والذوات يفتح باب الأمل أمام الشاردين من دعوة الإيمان والطاعة لله ورسوله!
فالإنكار في الآية، والأمر بالبراءة، إنما توجّه إلى العمل السيئ، لا إلى العامل المسيء، وإن كان عمله السيئ مرتبطاً به، ما دام مقيماً عليه، لكن هذا الارتباط بين العامل وعمله ليس ارتباط تلازم؛ ولكنه ارتباط بأمر عارض يمكن الانفكاك عنه وتركه!
فإذا ترك العمل الموجب للنفرة، وحل محله عمل يوجب الموالاة، عادت الموالاة وعاد معها ما توجبه من التلطّف، وخفض الجناح، وإلانة الجانب، وصفاء المودّة!
وفي قوله تعالى:{وَتَوَكَّلْ عَلَى الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ}!
إشعار بما في هذا الجهر والإنذار من مشقة التبليغ، وأثقال المواجهة، وإيذان بما سيلقى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من أذى وصدّ عن سبيل دعوته ومقاومة له - صلى الله عليه وسلم -، ومناهضة لرسالته، من هؤلاء المنذَرين على قرابتهم، وتشابك أنسابهم بنسبه، وامتزاج عصبيّتهم بحسبه .. حتى لا يعتمد في تحمّل أثقال دعوته إلى الله، وفي صبره على ما يلقى من المعاندين الشاردين عن حظيرة الإيمان والهداية، ولو كانوا أقرب القربى، على غير الله القويّ القهّار، العزيز الذي لا يغالب، الرحيم الذي لا يقطع إمداده عنه، وعن جميع حملة رسالاته،