للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال: فقمت منه قريباً، فأبى الله إلا أن يسمعني بعض قوله، قال: فسمعت كلاماً حسناً، قال: فقلت في نفسي وا ثُكْلَ أمّي، والله إني لرجل شاعر ما يخفى عليّ الحسنُ من القبيح، فما يمنعني أن أسمع من هذا الرجل ما يقول! فإن كان الذي يأتي به حسناً قبلته، وإن كان قبيحاً تركته!

قال: فمكثت حتى انصرف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى بيته فاتبعته، حتى إذا دخل بيته دخلت عليه، فقلت: يا محمَّد، إن قومك قد قالوا لي كذا، وكذا، للذي قالوا، فوالله ما برحوا يخوّفونني أمرك حتى سددت أذني بكُرْسف، لئلا أسمع قولك، ثم أبى الله إلا أن يسمعني قولك، فسمعت قولاً حسناً، فأعرض عليّ أمرك، قال: فعرض عليّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الإسلام، وتلا عليّ القرآن، فلا والله ما سمعت قولاً قطّ أحسن منه، ولا أمراً أعدل منه، قال: فأسلمت وشهدت شهادة الحق، وقلت: يا نبيّ الله، إنّي امرؤٌ مُطاعُ في قومي، وأنا راجع إليهم، وداعيهم إلى الإِسلام، فادْع الله أن يجعل لي آيةً تكون لي عونا عليهم فيما أدعوهم إليه، فقال: "اللهم اجعل له آية" قال: فخرجت إلى قومي، حتى إذا كنت بثنيّة (١)، تطلعني على الحاضر (٢)، وقع نورٌ بين عينيَّ مثل الصباح، فقلت: اللهم في غير وجهي، إني أخشى أن يظنوا أنها مُثْلة وقعت في وجهي لفراقي دينهم، قال: فتحوّل فوقع في رأس سوطي، قال: فجعل الحاضر يتراءون ذلك النور في سوطي كالقنديل المعلق، وأنا أهبط إليهم من الثنيّة، قال: حتى جئتهم فأصبحت فيهم!

قال: فلما نزلت أتاني أبي، وكان شيخاً كبيراً، قال: فقلت: إليك


(١) الثنية: الفرجة بين الجبلين.
(٢) الحاضر: القوم النازلون على الماء.

<<  <  ج: ص:  >  >>