ولهذا كانت فضيلة قرى الضيف موضع منافسة المتنافسين في صنائع المعروف، وكانت مما يتمدّح به أجواد العرب، ويتّخذها شعراؤهم ممادح لأجاويدهم، يتّخذون بها قلائد من الفضل المأثور في أعناق الذين يقصدون مكارمهم تحبّبًا إليهم، ونشرًا لحسن الأحدوثة عنهم بين أقوامهم!
والضيف في البيئة العربيّة عابر سبيل يبيت هنا، ويصبح هناك، ويتحدّث حيث يكون، والحديث مع الناس وإلى الناس فنون، وأحبّ فنونه إلى الأسماع، وأحلاها في الأذواق ما كان عن المكارم وصانعيها، وروّادها، تنفسح لهم القلوب، وتهشّ لهم النفوس، وتهفو نحو من تحله المكارم ذراها، وتشتاق إلى لقائه ورؤيته، وتتمنّى لو كانت من حزبه أو أهله، وتتطلّع إلى مشارف مكانه من حُسْن الأحدوثة، وتتحدّث مع نفسها أحاديث الآمال المرجوّة أن لو كانت تستطيع أن تكافئه على صنائعه، ولو لم يكونوا هم موضع إسدائها المباشر؛ لأنّ الخير حبيب إلى كل نفس كريمة، والمكارم أواصر خُلقيّة لا تعرف العصبية لدم، ولا لجنس، ومن يصنع الخير لا يعدم جوازيه!
فإكرام الضيف فضيلة اجتماعيّة، تجمع القلوب على محبّة من يتحلّى بها في غير تكلّف ولا مراءاة، وتستجيب إلى دعوته إذا دعا إلى خير، وترهف الآذان إلى صوته إذا نادى إلى نجدة أو غوث، وتُصغي إلى قوله إذا تكلّم، وتؤمِّن على رأيه إذا ارتأى، فهي من أصول المكارم التي تكسب صاحبها مودَّات القلوب، يحبّه من يعرفه ومن لا يعرفه!
فذكر أمّ المؤمنين خديجة - رضي الله عنها - هذه المكرمة في خلائق محمَّد - صلى الله عليه وسلم - التي نهد بها، وعاش في مجتمعه على التخلّق بخلقها، مقصوده أن الله تعالى في جلال حكمته، لا يمنحها إلا لمن يعلم أنه حقيق بآثارها الاجتماعيّة في