والأمر إذن جد .. إنه أمر العقيدة من أساسها .. ثم هو أمر سعادة هذه البشريّة أو شقائها .. والبشريّة -وهي من صنع الله- لا تفتح مغاليق فطرتها إلا بمفاتيح من صنع الله، ولا تعالج أمراضها وعللها إلا بالدواء الذي يقدّمه هذا القرآن: {وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلَا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَسَارًا (٨٢} (الإسراء)!، {إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرًا (٩)} (الإسراء)!
هكذا على وجه الإطلاق فيمن يهديهم وفيما يهديهم، فيشمل الهُدى أقواماً وأجيالاً بلا حدود من زمان أو مكان، ويشمل ما يهديهم إليه كل منهج وكل طريق، وكل خير يهتدي إليه البشر في كل زمان ومكان، وعصر ومصر، وجيل وقبيل!
يهدي للتي هي أقوم في عالم الضمير والشعور، بالعقيدة الواضحة البسيطة التي لا تعقيد فيها ولا غموض، والتي تطلق الروح من أثقال الوهم والخرافة، وتطلق الطاقات البشريّة الصالحة للعمل والبناء، وتربط بين نواميس الكون الطبيعيّة ونواميس الفطرة البشريّة في تناسق واتّساق!
ويهدي للتي هي أقوم في التنسيق بين ظاهر الإنسان وباطنه، وبين مشاعره وسلوكه، وبين عقيدته وعمله، فإذا هي كلها مشدودة إلى العروة الوثقى التي لا تنفصم، متطلّعة إلى أعلى وهي مستقرّة على الأرض، وإذا العمل عبادة، متى توجّه الإنسان به إلى الله، ولو كان هذا العمل متاعاً واستمتاعاً بالحياة! (١)