للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال القرطبي: ومعظم السورة نزلت في الوليد بن المغيرة، وأبي جهل (١)، وإذا كان هذا الوصف ({مَنَّاعٍ لِلْخَيْرِ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ (١٢)}! (القلم)، وصفاً من أوصاف سورة (القلم) تدفعه به القصة التي تبين أنه كان ينفق ماله رئاء للناس، وتسميعاً بذكره، فإن سائر الأوصاف المذكورة فيها منطبقة عليه: قال تعالى:

{وَلَا تُطِعْ كُلَّ حَلَّافٍ مَهِينٍ (١٠) هَمَّازٍ مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ (١١) مَنَّاعٍ لِلْخَيْرِ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ (١٢) عُتُلٍّ بَعْدَ ذَلِكَ زَنِيمٍ (١٣) أَنْ كَانَ ذَا مَالٍ وَبَنِينَ (١٤) إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ آيَاتُنَا قَالَ أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ (١٥)} (القلم)!

هذه الآيات تضمنت عدّة أوصاف وصف بها طاغية الماديّة الوثنيّة، وكان خاتم هذه الأوصاف يشبه أن يكون تعييناً للوليد بن المغيرة، وأنه هو المراد هنا في آيات سورة (القلم)، كما هو المراد في آيات سورة (المدثر) باعتباره نموذجاً في الموضعين لأخبث أنواع الشرّ النفسي والاجتماعي في الطبائع البشريّة، وهذا الوصف المعين بالاختصاص هو قوله تعالى: {أَنْ كَانَ ذَا مَالٍ وَبَنِينَ (١٤)}! فلم يعرف من طواغيت الوثنيّة في قريش بشهرته بكثرة المال والبنين مثل ما عرف الوليد بن المغيرة، وقد كان هذا الوصف محور فجوره وطغيانه الذي دارت عليه معاني آيات سورة (المدثر)!

وقد افتتحت آيات سورة (القلم) بنهي النبي - صلى الله عليه وسلم - نهي تعليم وتشريع عام عموم الأزمنة والأمكنة والأجيال والأحداث، بعد تمهيد بنهي عام، أجمل تحته أقبح وصف اتصف به إنسان، فقيل: {فَلَا تُطِعِ الْمُكَذِّبِينَ (٨)}! (القلم) والمكذبون لرسالات الله هم الذين لا يرعون في حياتهم عهداً، ولا يعرفون


(١) تفسير القرطبي: ١٨: ٢٢٩، دار إحجاء التراث عام ١٩٦٦ م.

<<  <  ج: ص:  >  >>