الأعضاء من الحيوانات يكون استخفافاً، كما يعبر عن شفاه الناس بالمشافر، وعن أيديهم وأرجلهم بالأظلاف والحوافز!
والوجه أكرم موضع في الجسد، والأنف أكرم موضع من الوجه، لارتفاعه عليه، ولذلك جعلوه مكان العز والحميّة، واشتقّوا منه الأنفة، وقالوا: الأنف في الأنف، وحمي أنفه، وفلان شامخ العرنين، وقالوا في الذليل: جدع أنفه، ورغم أنفه، فعبّر بالوسم على الخرطوم عن غاية الإذلال والإهانة؛ لأن السمة على الوجه شيخ، فكيف على أكرم موضع من الوجه!
والآية من قبيل الكناية، فالمقصود التعبير بالوسم وإرادته لازمة، وهو الشهرة، وهي هنا شهرة بالمذام والقبائح؛ لإفادة غاية الإذلال والمهانة في الدنيا والنكال والخزي وسوء العذاب في الآخوة!
قال الرازي: وفي الآية احتمال آخر عندي، وهو أن ذلك الكافر إنما بلغ في عداوة الرسول - صلى الله عليه وسلم -، وفي الطعن في الدّين الحق، بسبب الأنفة والحميّة، فلما كان منشأ هذا الإنكار هو الأنفة والحميّة كان منشأ عذاب الآخرة هو هذه الأنفة والحميّة، فعبّر عن هذا الاختصاص بقوله: {سَنَسِمُهُ عَلَى الْخُرْطُومِ (١٦)}!
فالمقصود بهذا الوعيد إشهار قبائح الطاغية وكسر شهوة عنجهيّته وغروره بتعرية نقائصه وكشف سوآته، حتى يتعالمه الناس ويعرفونه بما دفعه به القرآن، فلا يخفى أمره على أحد، كما لا تخفى الحيوانات الموسومة على خراطيمها!
ولا شك أن هذه المبالغة في مذمة هذا الطاغية العنيد بقيت على وجه الدهر تلازمه وتلاحقه بالخزي والإذلال في حياته، وباللعنات والنكال بعد هلاكه!