أخرجت من حسابها الحرص على الحياة -إذ كل نفس ذائقة الموت على كل حال- وأخرجت من حسابها متاع الغرور الزائل .. عندما يبيّن الله للمؤمنين ما ينتظرهم من بلاء في الأموال والأنفس، وقد استعدت نفوسهم للبلاء فمن ثمَّ تتبيّن معالم الطريق كما يصوّرها الكتاب والسنّة، ويثبت على هذه الدعوة أصلب أصحابها عوداً، إذ هؤلاء هم الذين يصلحون لحملها والصبر عليها، إذن فهم مؤتمنون!
وذلك لكي تعزّ هذه الدعوة عليهم وتغلو، بقدر ما يصيبهم في سبيلها من عنت وبلاء، وبقدر ما يضحّون في سبيلها من عزيز وغال، فلا يفرطون فيها بعد ذلك، مهما تكن الأحوال!
وذلك لكي يصلب عود الدعاة في تبليغ الدعوة؛ فالمقاومة هي التي تستثير القوى الكامنة، وتنمّيها وتجمعها وتوحّدها، وهي في حاجة إلى استثارة هذه القوى، لتتأصّل جذورها وتتعمّق، وتتّصل بالتربة الخصبة الغنيّة في أعماق الفطرة!
وذلك لكي يعرف أصحاب الدعوة حقيقتهم، وهم يزاولون الحياة والجهاد مزاولة عمليّة واقعيّة، ويعرفون حقيقة النفس البشريّة وخباياها ويعرفون حقيقة الجماعات والمجتمعات وهم يرون كيف تصطرع مبادئ دعوتهم، مع الشهوات في أنفسهم وفي أنفس الناس .. ومداخل الشيطان إلى هذه النفوس، ومزالق الطريق، ومسارب الضلال!
ثم لكي يشعر المعارضون لها في النهاية أنه لابدّ فيها من خير، ولابدّ فيها منْ سرٍّ يجعل أصحابها يلاقون في سبيلها ما يلاقون وهم صامدون .. فعندئذ قد ينقلب المعارضون لها إليها أفواجاً في نهاية المطاف!