أوائل المسلمين عن دينهم، ويعذبونهم ويؤذونهم، هم أنفسهم سيكونون من جنود الإِسلام المخلصين، بل من قادته، ألم يكن عمر بن الخطاب من بين هؤلاء؟
خامساً:
وربما كان ذلك أيضاً؛ لأن النخّوة العربيّة، في بيئة قبليّة، من عادتها أن تثور للمظلوم، الذي يحتمل الأذى، ولا يتراجع! وبخاصة إذا كان الأذى واقعاً على كرام الناس فيهم .. وقد وقعت ظواهر كثيرة تثبت صحة هذه النظرة في هذه البيئة، فابن الدغنة -كما سبق- لم يرض أن يترك أبا بكر -وهو رجل كريم- يهاجر ويخرج من مكّة، ورأى في ذلك عاراً على العرب! وعرض عليه جواره وحمايته .. وآخر هذه الظواهر -كما سيأتي- نقض صحيفة (الحصار) لبني هاشم في (شعب أبي طالب)، بعد ما طال عليهم الجوع، واشتدّت المحنة .. بينما في بيئة أخرى من البيئات ذات الحضارة القديمة التي مردت على الذّل، قد يكون السكوت على الأذى .. وتعظيم المؤذي الظالم المعتدي!
ونبصر استخفاف الطغاة البغاة العتاة للعامة .. وهم يعزلونهم عن كل سبل المعرفة، ويحجبون عنهم الحقائق حتى ينسوها، ولا يعودوا يبحثون عنها، ويلقون في روعهم ما يشاؤون من المؤثرات، حتى تنطبع نفوسهم بهذه المؤثّرات المصطنعة، ومن ثم يسهل استخفافهم بعد ذلك، ويلين قيادهم، فيذهبوا بهم ذات اليمين وذات الشمال مطمئنّين!
ولا يملك الطاغية أن يفعل بالعامة هذه الفعلة إلا وهم فاسقون، لا يستقيمون على طريق، ولا يمسّكون بحبل الله، ولا يزنون بميزان الإيمان، فأما المؤمنون فيصعب خداعهم واستخفافهم واللعب بهم كالريشة في مهب الريح، ومن هنا يعلّل القرآن استجابة العامة لفرعون فيقول: {فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ