للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

هاشم، إذا هي امتدّت يدها لأذى محمد - صلى الله عليه وسلم -، فكان شخص الداعية - صلى الله عليه وسلم - من ثمّ محميًّا حمايةً كافيةً .. وكان الداعية يبلغ دعوته -إذن- في حماية سيوف بني هاشم ومقتضيات النظام القبلي، ولا يكتمها، ولا يخفيها، ولا يجرؤ أحدٌ على منعه من إبلاغها وإعلانها، في ندوات قريش في الكعبة، ومن فوق جبل الصفا، وفي اجتماعات عامة -كما سبق-، ولا يجرؤ أحد على منعه من الجهر بدعوته، ولا يجرؤ أحدٌ على أن يفرض عليه كلاماً بعينه يقوله، يعلن فيه بعض حقيقة دينه، ويسكت عن بعضها .. وحين طلبوا إليه أن يكف عن سبّ آلهتهم وعيبها لم يكف .. وعلى الجملة كان للدعوة (وجودها الكامل) في شخص رسول الله - صلى الله عليه وسلم - .. وفي إبلاغه لدعوة ربّه كاملة في كل مكان .. ومن ثم لم تكن هناك الضرورة القاهرة لاستعجال المعركة، والتغاضي عن كل هذه الاعتبارات البيئيّة التي هي في مجموعها مساندةً للدعوة، ومساعدة في مثل هذه البيئة!

هذه الاعتبارات كلها -فيما نحسب- كانت بعض ما اقتضت حكمة الله، أن يأمر المسلمين بكفّ أيديهم، وإقامة الصلاة وإيتاء الزكاة .. لتتم تربيتهم ويتم إعدادهم، ولينتفع بكل إمكانيّات الخطّة في هذه البيئة، وليقف المسلمون في انتظار أمر القيادة في الوقت المناسب، وليخرجوا أنفسهم من المسألة كلها، فلا يكون لذواتهم فيها حظّ، لتكون خالصةً لله، وفي سبيل الله .. (والدعوة لها وجودها)، وهي قائمة ومؤدّاة ومحميّة ومحروسة!

وأيًّا ما كانت حكمة الله من وراء هذه الخطة، فقد كان هناك المتحمّسون يبدون لهفتهم على اللحظة التي يؤذن لهم فيها بالقتال: {فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَخْشَوْنَ النَّاسَ كَخَشْيَةِ اللَّهِ أَوْ أَشَدَّ خَشْيَةً وَقَالُوا رَبَّنَا لِمَ كَتَبْتَ عَلَيْنَا الْقِتَالَ لَوْلَا أَخَّرْتَنَا إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ}!

<<  <  ج: ص:  >  >>