ونبصر تحوّل النصوص القرآنيّة إلى قوى وطاقات .. تعمل في واقع الحياة، وتدفع إلى حركة حقيقية في عالم الضمير!
إن هذا القرآن ليس كتاباً للتلاوة ولا للثقافة .. وكفى .. إنما هو رصيد من الحيوية الدافعة، وإيحاء متجدّد في المواقف والحوادث! ونصوصه مهيّأة للعمل في كل لحظة، متى وجدت القلب الذي يتعاطف معه ويتجاوب، ووجد الظرف الذي يطلق الطاقة المكنونة في تلك النصوص ذات السرّ العجيب!
وإن الإنسان ليقرأ النصّ القرآني مئات المرّات، ثم يقف الموقف، أو يواجه الحادث، فإذا النصّ القرآنيّ جديد، يوحي إليه بما لم يودع من قبل قطّ، ويجيب على السؤال الحائر ويفتي في المشكلة المعقّدة، ويكشف الطريق الخافي، ويرسم الاتجاه المقاصد، ويفيء بالقلب إلى اليقين الجازم في الأمر الذي يواجهه، وإلى الاطمئنان العميق!
وليس ذلك لغير القرآن في قديم ولا حديث!
وفي الآيات التي معنا {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَاءَتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا وَجُنُودًا لَمْ تَرَوْهَا وَكَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرًا (٩)}! نبصر بدء المعركة وختامها، والعناصر الحاسمة فيها .. مجيء جنود الأعداء، وإرسال الريح .. والجنود التي لم يرها المؤمنون، ونصر الله المرتبط بعلم الله بهم، وبصره بعملهم .. ثم يأخذ بعد هذا الإجمال في التفصيل والتصوير: {إِذْ جَاءُوكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَإِذْ زَاغَتِ الْأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا (١٠) هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالًا شَدِيدًا (١١) وَإِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُورًا (١٢) وَإِذْ قَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ يَا أَهْلَ يَثْرِبَ لَا مُقَامَ لَكُمْ فَارْجِعُوا وَيَسْتَأْذِنُ فَرِيقٌ مِنْهُمُ النَّبِيَّ يَقُولُونَ إِنَّ بُيُوتَنَا عَوْرَةٌ وَمَا هِيَ بِعَوْرَةٍ إِنْ يُرِيدُونَ إِلَّا فِرَارًا (١٣)}!