وهذا الذي ذهب إليه الشيخ الكورانيّ يهدم أصل اختراقه لأقصوصة (التأديب) الذي زعمه حكمة لتلبيس الشيطان في إلقائه كلمات الكفر على لسان النبيّ - صلى الله عليه وسلم -، كما هو نصّ مرسل سعيد بن جبير، أصح ما تمسّك به الغرنوقيّون!
وإذا كان ذلك كذلك فلا وجه لطنطنة الشيخ الكورانيّ بأخلوقة (التأديب) الجافية والتصفية والترقية؛ لأن لاحق كلامه هنا يهدم سابقه، وعندئذ يرجع الكلام إلى مجرّد النظر في ثبوت صحة الحديث، وقد أثبتنا ضعفه؛ بل بطلانه، وقال عنه الآلوسي: ودون إثبات صحته خرط القتاد، ويؤيّد عدم ثبوته مخالفته لظواهر الآيات، فقد قال سبحانه في وصف القرآن: {لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ (٤٢)} (فصلت)!
والمرابط بالباطل ما كان في نفسه، وذلك الملقى كذلك، وإن سوّغ نطق النبيّ - صلى الله عليه وسلم - تأويله بأحد التأويلين، والمراد بـ {لَا يَأْتِيهِ} استمرار النفي، لا نفي الاستمرار، وقال عَزَّ وَجَلَّ: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ (٩)} (الحجر)!
فجيء بالجملة الاسميّة مؤكّدة بتأكيدين، ونسب الحفظ المحذوف متعلّقه إفادة للعموم إلى ضمير العظمة، وفي ذلك من الدلالة على الاعتناء بأمر القرآن ما فيه، وقد استدلّ بالآية من استدلّ على حفظ القرآن من الزيادة والنقص!
وكون الإلقاء المذكور لا ينافي الحفظ لأنه نسخ، ولم يبق إلا زماناً يسيراً لا يخلو من نظر، والظاهر أنه وإن لم يناف الحفظ في الجملة، لكنه ينافي الحفظ المشار إليه في الآية، على ما يقتضيه ذلك الاعتناء، تم إن قُبِل بما روي عن