وإذا كان الله عزّ وجلّ قد عصم أنبياءه ورسله، فلم يمكن الشيطان أن ينفذ من خلال رغباتهم الفطريّة إلى دعوتهم، فغير المعصومين في حاجة إلى الحذر الشديد من هذه الناحية، والتّحرّج البالغ، مخافة أن يدخل عليهم الشيطان من ثغرة الرّغبة في نصرة الدعوة، والحرص على ما يسمونه (مصلحة الدعوة)!
إن كلمة (مصلحة الدعوة) يجب أن ترتفع من قاموس أصحاب الدعوات؛ لأنها مزلة، ومدخل للشيطان يأتيهم منه، حين يعزّ عليه أن يأتيهم من ناحية (مصلحة الأشخاص)!
ولقد تتحوّل (مصلحة الدعوة) إلى صنم يتعبّده أصحاب الدعوة، وينسون معه منهج الدعوة الأصيل!
إن على أصحاب الدّعوة أن يستقيموا على نهجها، ويتحرّوا هذا النهج، دون التفات إلى ما يعقبه هذا التحرّي من نتائج، قد يلوح لهم أن فيها خطراً على الدّعوة وعلى أصحابها!
فالخطر الوحيد الذي يجب أن يتقوه هو خطر الانحراف على النهج لسبب من الأسباب، سواء كان هذا الانحراف كثيراً أو قليلاً، والله أعلم منهم بالمصلحة وهم ليسوا بها مكلّفين، إنما هم مكلفون بأمر واحد، ألا ينحرفوا عن المنهج، وألا يحيدوا عن الطريق!
ويعقب السياق على تلك الآيات، وما فيها من صيانة لدعوة الله من كيد الشيطان بأن الذين يكفرون بها مدحورون، ينتظرهم العذاب المهين: {وَلَا يَزَالُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي مِرْيَةٍ مِنْهُ حَتَّى تَأْتِيَهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً أَوْ يَأْتِيَهُمْ عَذَابُ يَوْمٍ عَقِيمٍ (٥٥) الْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ (٥٦) وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا فَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ (٥٧)} (الحج)!