وكانت تلك الوثبة في القيام لنقض الصحيفة الظالمة القاطعة بعد أن أخبر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عمّه أبا طالب بما أخبر به بالوحي في شأن الصحيفة، وتحدّث به أبو طالب إِلى ملأ قريش، فوجدوه كما قال الصادق المصدوق، عندما أتوا بالصحيفة ونظروا فيها، فقالوا عناداً وفجوراً: هذا سحر، وعزموا على المضيّ في عتوّهم وعنادهم، ولكنهم فوجئوا بهشام بن عمرو ومن قام معه من صناديدهم ينكرون ما في هذه الصحيفة القاطعة من الظلم، وغلظ الأكباد، وهمّ المطعم بتشقيق الصحيفة، فلم يجدوا فيها إِلا (باسمك اللهم)!
وباء ملأ قريش بالخزي والخذلان، ونصر الله رسوله - صلى الله عليه وسلم -!
وقد استفحل فجور أبي جهل في هذه المحنة، فكان يترصّد كل شيء يدخل إِلى الشِّعب، ليمنع ما عسمى أن يكون فيه بعض الإِسعاف للمحصورين، وهم يقاسون مع نسائهم وأطفالهم مرارة الجوع والعري في محبسهم وعزلتهم!
فقد ذكر سائر الرّواة أن أبا جهل لقي حكيم بن حزام بن خويلد، ومعه غلام يحمل قمحاً يريد به عمّته خديجة، وهي في الشِّعب، فتعلّق به، وقال: أتذهب بالطعام إِلى بني هاشم، والله! لا تبرح أنت وطعامك حتى أفضحك بمكّة، فجاءه أبو الْبَخْتَري بن هشام، فقال: مالك وله، قال: يحمل الطعام إِلى بني هاشم، قال أبو الْبَخْتَري: طعام كان لعمته عنده، أفتمنعه أن يأتيها بطعامها؟ خَلِّ سبيل الرجل، فأبى أبو جهل حتى نال أحدهما من صاحبه!
فأخذ له أبو البَخْتري لحى بعير ففربه به فشجّه، ووطئه وطأ شديداً،