بالسعادة في التطلّع إلى آمال المستقبل في آفاق الحياة، وتقاسمه الإحساس بأعباء الحاضر وآلامه، في ظل أثقال نشر الدعوة، وتبليغ الرسالة، معتصمة بالصبر الجميل، تأسّياً به - صلى الله عليه وسلم - في مجالات الحياة، فيما ترى بين يديها من حاله - صلى الله عليه وسلم - بعد إذ أنزلت عليه الرسالة بشدائدها، وقوّة دفعها الذي استحوذ على إحساساته ومشاعره، وسائر قواه الفكريّة والروحيّة والبدنيّة!
حتى إذا بلغ طغيان أحلاس الشرك من ملأ الكفر ذروة الفجور العتيّ، إذ تعاقدوا فيما بينهم، وتعاهدوا بعد أن يئسوا من أن ينالوا من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نيلاً، وكتبوا بهذا التعاهد وثيقة في صحيفة ظالمة، ضمنوها مقاطعة بني عبد مناف ممن يقف إلى جانب محمَّد - صلى الله عليه وسلم - لنصره وحمايته من سوء ما يريد الطغاة الفجّار -وفي المقدمة سائر المؤمنين بدعوته، المصدّقين برسالته من غيرهم، فلا يبيعوهم ولا يناكحوهم، ويمنعون عنهم كل ما يرفقهم في حصارهم، وألا تأخذهم بهم رأفة أبداً، حتى يسلموا محمداً للقتل أو يموتوا صبراً!
ودخلت خديجة رضي الله عنها حصار الشِّعب مع زوجها محمَّد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تشاركه آلام المحنة ومرارتها راضية صابرة محتسبة .. وظلّت معه تواسيه وتخفّف عنه وقع هذا الظلم الفاجر بما تبديه من احتمال ورضا، وهو - صلى الله عليه وسلم - ساكن القلب إلى وفائها ومودّتها، وحبّها له حبّ جدّ وإجلال، وحرص وحفاظ!
حتى قضى الله تعالى قضاءه في هذه المقاطعة الظالمة، التي مكثت سيفاً مصلتاً على أعناق كل من يئل إلى محمَّد - صلى الله عليه وسلم - إيماناً به وتصديقاً برسالته، أو حميّةً قوميّةً له، فمزّقت صحيفتها بعد ثلاث سنين من كَتْبها بأيدي مَنْ كتبها، وقيام من عاهد على ما فيها من ظلم وفجور وقطيعة!
وخرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من الحصار ظافراً منصوراً بما صنع الله له من تدبير