يتناوله، ولكنه لا يدمج الأحاديث والأخبار بعضها في بعض، بل يحتفظ لكل نقل بطابعه ومكانه، وكثيراً ما يعوزه الترتيب في النقل، فلا ينسق الأخبار التي ينقلها حتى تكون وحدة منسجمة، فأحياناً يبدأ بالخبر المطول، ثم يذكر بعده أخباراً تحتوي على جانب من هذا الخبر أو تكرره!
فإذا تتبعنا نقول ابن كثير عن غيره، وجدنا فيها ظاهرة عجيبة، هي: أنه يكاد لا يلتزم نص أي شيء، ينقله! فنقوله عن ابن إسحاق أغلبها بالمعنى، وقد تتبّعت ذلك في بعض الصفحات، ورأيت أن إثبات الفروق بين ابن كثير وابن إسحاق شيء يطول مداه، فابن كثير يقدّم ويؤخّر، ويزيد وينقص، ويغيّر ويبدّل، ويفوت بهذا التغيير والتبديل كثير من جمال عبارة ابن إسحاق وتناسقها!
كذلك نجد روايات ابن كثير للأحاديث تختلف بعض الاختلاف عما في أيدي الناس من الكتب التي ينقل عنها .. فأحاديث البخاري التي يرويها ابن كثير بقوله:(وقال البخاري) لا تنطبق حرفيًّا مع صحيح البخاري الذي بين أيدينا، كذلك القول في روايته عن صحيح مسلم، وعن مسند أحمد، وعن دلائل النبوة لأبي نعيم، ودلائل النبوة للبيهقي، وعن الشفا للقاضي عياض، وعن الروض الأنف للسهيلي!
فإذا ما تفحصنا منهج ابن كثير في الروايات، رأيناه لا يبالي برواية كثير من الأخبار الواهية!
وقد كان بإمكانه ألا يلتفت إلى هذه الأخبار التي لا تتمالك أمام النقد، لكنه كان يذكر السند في ذلك -كما أسلفنا عن الطبري- وكان يعلّق على بعض هذه الأخبار بأنه (غريب جداً) أو (لم يخرجوه) ونحو ذلك!