للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

واحتجّوا أيضاً بظاهر قوله - صلى الله عليه وسلم -: "أُسْري بي" لأن الأصل في الأفعال أن تحمل على اليقظة، حتى يدلّ دليل على خلافه عقلي أو شرعي!

قال عياض وتبعه غيره: الحق والصحيح أنه إسراء بالجسد والروح في القصة كلها، وتدل عليه الآية نصًا، وصحيح الأخبار إلى السماوات استفاضة، ولا يعدل عن الظاهر والحقيقة إلى التأويل، إلا عند الاستحالة، وليس في الإسراء بجسده حال يقظته استحالة تؤذن بتأويل، إذ لو كان مناماً لقال (بروح عبده)، ولم يقل {بِعَبْدِهِ}!

وقوله: {مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى (١٧)} (النجم)! أي ما عدل عن رؤية ما أمر به من عجائب الملكوت، وما جاوزها، لصراحة ظاهره، في أنه بجسده يقظة؛ لأنه أضاف الأمر إلى البصر، وهو لا يكون إلا يقظة بجسده، بشهادة: {لَقَدْ رَأَى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى (١٨)} (النجم)!

ولو كان مناماً لما كانت فيه آية ولا معجزة خارقة للعادة دالَّة على صدقه، وإن كانت رؤيا الأنبياء وحياً؛ إذ ليس فيها من الأبلغيّة وخرق العادة ما فيه يقظة، على أن ذلك إنما يعرفه من صدقه وصدق خبره!

وإن ذلك لو كان مناماً لما كان فيه فتنة للضعفاء الذين وقعوا في بليّة عظيمة توقعهم في العذاب -كما أسلفنا- لتكذيبهم وإنكارهم لخبر الصادق بما هو خارق للعادة، ولا استبعده الأغبياء، ولا كذّبوه فيه؛ لأن مثل هذا من المنامات لا ينكر، بل لم يكن منهم ذلك إلا وقد علموا أن خبره


(١) انظر ما أخرجه أبو نعيم، كما في: الآية الكبرى: ١٠٥ - ١٠٦.
[قال مُعِدُّ الكتاب للشاملة: لم يتبين لي موضع هذا الهامش]

<<  <  ج: ص:  >  >>