لابدّ من التساؤل حينئذ أمام الحماسة المتدفّقة في تشييد بناء هذا القول المتداعي: هل كان التصوّر للإسراء على قول القائلين بالرّوح ولم يفقد جسده - صلى الله عليه وسلم - موجوداً في ذهن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، حين أخبر مجتمع الكفر من قريش برحلته الإعجازيّة، فاستمعوا له ما بين مصفّق وضاحك وساخر، إنكاراً وتكذيباً لما قال لهم، وحين استوصفوه المسجد الأقصى، وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لم يثبت في ذاكرته بعض أشياء منه، فكرب كرباً شديداً، فجلاّه ربّ العزّة في الحجر، فجعل ينظر إليه ويخبر عمّا يسألون، فلمّا وافق وصفه ما عندهم ممّا عرفوه عن المسجد الأقصى، لكثرة تردّدهم عليه للتجارة وغيرها، قال قائلهم: أمّا الوصف فقد صدق فيه؟
وهل المسلمون وهم يستمعون إلى نبيّهم - صلى الله عليه وسلم - يتحدّث عن رحلته الإعجازيّة يفهمون أنها رحلة روح فقط، تركت جسدها وانسلخت منه، ثم عادت إليه؟
ففيم إذن كان موقف الذين لم يصدقوا، وهم يعلمون أن الرُّوح لها شأنها الخاص الذي لا تقيّده المادّيّات، فتنطلق إلى أقصى المشرق ثم تعود إلى أقصى المغرب في لحظات من الزمن، وتباشر من الأمور المادّيّة ما يقتضي أعواماً وشهوراً، لو كان حصوله حصولاً ماديًّا؟
وهل كان ملأ قريش حين استمعوا إليه - صلى الله عليه وسلم -، وهو يحدثّهم عن رحلته، وعجائب ما رأى فيها من آيات الله في ملكوته في طريقه ذهاباً وجيئةً يفهمون أنها رحلة روح انسلخت عن جسدها، وتركته حيًا، حتى عادت إليه، وامتزجت به، كما كان حالها قبل الرحلة؟