ونبصر أن هذا البيت بناه إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام ليكون مثابةً للناس وأمنًا، وليكون للمؤمنين قبلةً ومصلّى .. ومن ثم يجيء الأمر باتباع إبراهيم في ملّته، وهي التوحيد الخالص المبرّأ من الشرك في كل صوره: {فَاتَّبِعُوا مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (٩٥)}!
واليهود كانوا يزعمون أنهم ورثة إبراهيم، فها هو ذا القرآن الكريم يدلّهم على حقيقة دين إبراهيم، وأنه الميل عن كل شرك، ويؤكّد هذه الحقيقة مرّتين:
مرّة بأنّه كان حنيفًا!
ومرّة بأنّه ما كان من المشركين!
فما بالهم هم غير مقرّين!
ثم يقرّر أن الاتجاه للكعبة هو الأصل، فهي أول بيت وضع في الأرض للعبادة وخصّص لها .. ومن دخله كان آمنًا، وحتى في جاهليّة العرب، وفي الفترة التي انحرفوا فيها عن التوحيد الخالص الذي يمثّله هذا الدّين .. حتى في هذه الفترة بقيت حرمة هذا البيت سارية، كما قال الحسن البصري وغيره:
(كان الرجل يقتل فيضع في عنقه صوفة، ويدخل الحرم فيلقاه ابن المقتول، فلا يهيجه حتى يخرج)!