ومن ثم هذه الرعاية للأسرة في النظام الإِسلامي، وهذه العناية بتوثيق عراها، وتثبيت بنيانها، وحمايتها من جميع المؤثّرات التي توهن هذا البناء!
في أوّل هذه المؤثّرات مجانبة الفطرة، وتجاهل استعدادات الرجل واستعدادات المرأة، وتناسق هذه الاستعدادات مع بعضها بعضًا، وتكاملها لإقامة الأسرة من ذكر وأنثى!
وإن نظرةً إلى التنوّع في خصائص الأفراد واستعدادتهم -بعد بثّهم من نفس واحدة وأسرة واحدة- على هذا المدى الواسع، الذي لا يتماثل فيه فردان قطّ تمام التماثل، على توالي العصور، وفيما لا يحصى عدده من الأفراد في جميع الأحوال!
التنوّع في الأشكال والسمات والملامح!
والتنوّع في الطباع والأمزجة والأخلاق والمشاعر!
والتنوّع في الاستعدادات والاهتمامات والوظائف!
إن نظرةً إلى هذا التنوّع المنبثق من ذلك التجمّع لتشي بالقدرة المبدعة على غير مثال، المدبّرة عن علم وحكمة .. وتطلق القلب والعين يجولان في ذلك التنوّع الحيّ العجيب، يتملّيان ذلك الحشد من النماذج التي لا تنفد، والتي دائمًا تتجدّد، والتي لا يقدر عليها إلا الله .. ولا يجرؤ أحد على نسبتها لغير الله، فالإرادة التي لا حدّ لما تريد، والتي تفعل ما تريد، هي وحدها التي تملك هذا التنويع الذي لا ينتهي، من ذلك الأصل الواحد الفريد!
والتأمل في (الناس) على هذا النحو كفيل بأن يمنح القلب زادًا من الأنس والمتاع، فوق زاد الإيمان والتقوى، وهو كسب فوق كسب، وارتفاع بعد ارتفاع!