وأعلن براءته من معبوداتهم، وأفاض في الحديث عمن يخصّه بخضوعه، وأقام الأدالة على أن الربّ جلّ شأنه لا يكون كوكبًا يلمع، ولا قمرًا يطلع، ولا شمسًا تسطع!
إنها العقيدة، فوق روابط الأبوّة والبنوّة، وفوق مشاعر الحلم والسماحة .. وهذا هو منطق الفطرة (١) .. وعيٌ لا يطمسه الركام، وبصرٌ يلحظ ما في الكون من عجائب صنع الله، وتدبّر يتبع الشاهد حتى تنطق له بسرّها المكنون، وهداية من الله جزاءً على الجهاد فيه!
وكانت المواجهة: {قَالَ يَا قَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ (٧٨)}!
إنه الاتجاه إلى فاطر السماوات والأرض!
الاتجاه الحنيف الذي لا ينحرف إلى الشرك!
الكلمة الفاصلة واليقين الجازم!
فلا تردّد بعد ذلك ولا حيرة فيما تجلّى للعقل من تصوّر مطابق للحقيقة التي في الضمير!
ها نحن نشهد ذلك المشهد الرائع الباهر .. مشهد العقيدة وقد استعلنت في النفس، واستولت على القلب، بعدما وضحت وضوحها الكامل، وانجلى عنها الغبش!
نشهدها وقد ملأت الكيان الإنساني، فلم يعد وراءها شيء، وقد سكبت فيه الطمأنينة الواثقة بربّه .. في قلبه وعقله وفي الوجود من حوله!
وهو مشهد يتجلّى بكل روعته وبهائه في الآيات التالية مباشرة: