للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الخالدة محتفظةً بالحنيفيَّة السمحة، الثائرة على الباطل، القويّة بالحق، وتتوارثها جيلاً بعد جيل، فكأنها الجَنان القوي الفيّاض الذي يبث الحياة!

هذا، والجماعة المسلمة الأولى تدرك حق الإدراك مدى وعمق هذه الحقيقة في حياتها! (١).

لقد كانت قريبة عهد بما كان عليه العرب من ضلال في التصوّر والاعتقاد، وضلال في الحياة الاجتماعيّة والأخلاقيّة!

تمثله تلك الفوارق الطبقيّة، والمشاحنات القبليّة التي لم تجعل من العرب أمةً يحسب لها حساب في العالم الدولي!

وتمثله تلك الفوضى الخلقيّة التي كانوا عليها!

وتمثّله تلك المظالم التي يزاولها الأقوياء ضد الضعفاء!

وتمثله حياة العرب بصفة عامّة، ووضعهم الذي لم يرفعهم منه إلا هذا الدّين، وحين كانوا يبيتون في مبيت واحد، ويفيضون إفاضة واحدة:

{فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ وَاذْكُرُوهُ كَمَا هَدَاكُمْ وَإِنْ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الضَّالِّينَ (١٩٨) ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (١٩٩)} (البقرة)!

كانت ولا شك تتواكب على خيالهم وذاكرتهم ومشاعرهم صور حياتهم الضالة الزّريّة الهابطة التي كانت تطبع تاريخهم كله، ثم يتلفّتون على أنفسهم ليروا مكانهم الجديد الذي رفعهم إليه هذا الدّين، والذي هداهم الله إليه بهذا الدّين، فيدركون عمق هذه الحقيقة وأصالتها في وجودهم كله بلا جدال!


(١) في ظلال القرآن: ١: ١٩٩ بتصرف.

<<  <  ج: ص:  >  >>