ولقد يخيّل للناس أحياناً أن واقع الحياة يخالف هذه الحقيقة التي يقررها العلم الخبير .. وذلك في الفترات التي يبدو فيها الباطل منتفشاً كأنه غالب، ويبدو فيها الحق منزوياً كأنه مغلوب -كما نرى ونشاهد الآن- وإن هي إلا فترة من الزمان، يمدّ الله فيها ما يشاء، للفتنة والابتلاء .. ثم تجري السنّة الأزليّة الباقية التي قام عليها بناء السماء والأرض، وقامت عليها العقائد والدعوات سواء بسواء!
والمؤمنون بالله لا يخالجهم الشك في صدق وعده، وفي أصالة الحق في بناء الوجود ونظامه، وفي نصرة الحق الذي يقذف به على الباطل فيدمغه .. فإذا ابتلاهم الله بغلبة الباطل حيناً من الدهر، عرفوا أنها الفتنة، وأدركوا أنه الابتلاء، وأحسّوا أن ربّهم يربّيهم ويريد أن يعدّهم لاستقبال الحق المنتصر، وأن يجعلهم ستار القدرة، فيدعهم يجتازون فترة الابتلاء .. وكلما سارعوا إلى العلاج قصّر الله عليهم فترة الابتلاء .. وحقّق على أيديهم ما يشاء .. أما العاقبة فهي مقررة:
ونبصر الفجر قد أشرقت أنواره، وبدت مطالعه .. ونبصر قلوباً تتطلَّع إلى الخير، والمستقبل المليء بالخير .. ونحسّ بأننا نتطلّع إلى يوم النصر!
ويحدونا الأمل والبشر، ونحن نذكر قول الرسول - صلى الله عليه وسلم - فيما يرويه أبو داود وغيره بسند صحيح عن أبي هريرة - رضي الله عنه -: "إِن الله يبعث لهذه الأمّة على رأس كل سنة من يجدّد لها دينها"! (١)
(١) أبو داود (٤٢٩١)، والحاكم: ٤: ٥٢٢، والبيهقي: معرفة السنن والآثار: ٥٢٠، وانظر الأقوال في معنى التجديد والمجددين في: عون المعبود: ١١: ٣٨٥ - ٣٩٦.