وهذه السمة هي الوحدة الشعوريّة الإيجابيّة الفعالة .. الوحدة التي تجمع في نفوسهم بين الإيمان بالغيب (١)، والقيام بالفرائض، والإيمان بالرسل كافة، واليقين بعد ذلك بالآخرة .. هذا التكامل الذي تمتاز به العقيدة الإسلاميّة، وتمتاز به النفس المؤمنة بهذه العقيدة .. والجدير بأن تكون عليه العقيدة الأخيرة التي جاءت ليلتقي عليها الناس جميعاً، ولتهيمن على البشريّة جميعاً، وليعيش الناس في ظلالها بمشاعرهم وبمنهج حياتهم حياة متكاملة، شاملة للشعور والعمل، والإيمان والنظام!
ومن ثم لا تقوم حواجز الحسّ دون الاتصال بين أرواحهم والقوة الكبرى التي صدرت عنها، وصدر عنها الوجود .. ولا تقوم تلك الحواجز بين أرواحهم وسائر ما وراء الحسّ من حقائق وقوى وطاقات وخلائق وموجودات!
والإيمان بالغيب هو العقبة التي يجتازها الإنسان، فيتجاوز مرتبة الحيوان الذي لا يدرك إلا ما تدركه حواسه، إلى مرتبة الإنسان الذي يدرك أن الوجود أكبر وأشمل من ذلك الحيّز الصغير المحدود الذي تدركه الحواسّ -أو الأجهزة التي هي امتداد للحواسّ- وهي نقلة بعيدة الأثر في تصور الإنسان لحقيقة الوجود، في إحساسه بالكون وما وراء الكون من قدرة وتدبير، كما أنها بعيدة الأثر في حياته على الأرض، فليس من يعيش في الحيّز الصغير الذي تدركه حواسه كمن يعيش في الكون الكبير الذي تدركه بديهته وبصيرته، ويتلقّى أصداءه وإيحاءاته في أطوائه وأعماقه، ويشعر أن مداه أوسع في الزمان والمكان