للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بتلاوته .. وقد أدرك سلفنا الصالح هذه الحقائق، وتلك المعاني، فكانت الشهادة أمنية رفيعة الشأن، جليلة القدر، عظيمة الأثر، وكان الشهداء في مؤتة وحطّين وغيرهما، وقوافل المقاتلين إلى أرض فلسطين، أرض المسجد الأقصى .. وكأنّ هذه الدماء على أرض فلسطين الآن لم تكن كافية، على ما يظهر، أن نجدّد العزم على تحرير المسجد الأقصى .. وكأنه لم يبق لدى الكثير اسم ولا رسم، ولا روح ولا جسم، بيد أن الأمل قائم، ومعادلة النصر حق، والله لا يخلف الميعاد، وصدق الله العظيم:

{وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا} (النور: ٥٥)!

ونبصر ضرورة دراسة السيرة النبويّة، وفق هذا المنهج الموضوعي في تلك الدراسات، رجاء أن نرى أنفسنا أمام تفسير الأحداث -وفق قول الرافعي- (١) إن الدنيا لم تستطع تحقيق غايتها الأخلاقيّة العليا إلا فيها، وأنه -صلى الله عليه وسلم- كان إنساناً، وكان أيضاً حركة في تقدّم الإنسانيّة، وأن من معجزاته أنه أطاق في تاريخه ما عجزت عنه البشريّة في تاريخها، وأن كل أموره موضوعة وضعاً إلهيًّا، كأنها صفات كوّنها الحق وعلّقها في التاريخ لمعاني الحياة، تعليق الشمس في السماء لمواد الحياة!

وكأن الحقيقة السامية في سيرة هذا النبيّ تنادي الناس (٢) أن قابلوا على هذا الأصل، وصحّحوا ما اعترى أنفسكم من غلط الحياة وتحريف الإنسانيّة!


(١) وحي القلم: ٣: ٢٤ - ٢٥ بتصرف.
(٢) السابق: ٢: ٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>