للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وثار شعوره الديني على أوضاع مبهمة، وألفاظ غامضة، ومشكلات لا تحل، وانتهى به المطاف، بعد بحث وجدل ومناظرات وتأملات، إلى رفض المسيحيّة، وبلغت حيرته حينئذ أشدها, ولكن اليأس لم يتطرق إلى نفسه قط، وإذا لم يجد الهداية في المسيحيّة، فليس معنى ذلك أنه لم يجدها مطلقاً، فالحقيقة عزيزة المجال، ولكنها موجودة!

ورأى (دينيه) أن يتجه إلى العقل، يستمد منه الهداية إلى الطريق المستقيم، ولكنه انتهى إلى أن العقل عاجز في ميدان ما وراء الطبيعة، وفي الواقع:

(يسعى كثير من ذوي العقول المستنيرة -بعد أن أفاقوا من غفلتهم، وبعد أن رأوا إخفاق مذهب استقلال العقل بالمعرفة- لتعرف طريق الهداية، وأن مذهب الحس الذي يتهافتون عليه خلف حامل لوائه المسيو (برجسون) الشهير، هو عبارة عن رد فعل واضح لمذهب استقلال العقل بالمعرفة، أو هو -وهو الأصح- رد فعل لعجز هذا المذهب)!

فقد جدّد هذا المفكر -في قلوب الناس النَهمين إلى الإيمان- آمالاً كان يظهر أنها ضاعت ضياعاً نهائيًّا، فهو يأذن لهم بأن يأملوا في خلود الروح، ويقول لهم: (إن الدنيا ليست مشتبكاً عظيماً لقوى عمياء، وإن العقل ليس هو الطريقة الوحيدة للمعرفة) (١)!

أخفقت المسيحيّة في إرضاء ضميره الديني، وأخفق العقل في قيادته إلى النور، وتلفت حوله ونظر: ماذا فعل أمثاله ممن شكّوا في المسيحيّة، وشكّوا في العقل، وهداه الله لـ (الدّين القيّم) (٢)!


(١) المرجع السابق: ١٢.
(٢) انظر المرجع السابق: ١٢ وما بعدها.

<<  <  ج: ص:  >  >>