للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(وانتهكت الأعراض، وعم خلع العذار، لقد نشأ جيل لا كرامة فيه ولا عمل، ولم يكن له رصيد، ولا ماض مجيد، وليس لهم هم لمصير الشعب، ولا إشفاق عليه، ولا يتصف بكمال ومهارة، كانت تسيطر عليهم اللامبالاة والبطالة، وكانوا بارعين في النميمة، والخبث، والافتراء، والبهتان، وقد اتخذوا ذلك وسيلة لكسب القوت، والوصول إلى الثروة والجاه) (١)!

ويقول (أرتهركرستن سين): (كانت النتيجة أن انتشرت ثورات الفلاحين، وكان النهابون يدخلون إلى قصور الأغنياء، وينهبون ما يجدون فيها من أموال وأثاث، ويلقون القبض على النساء، ويستولون على الأملاك والعقارات، فأصبحت الأراضي والمزارع مقفرة خربة؛ لأن هؤلاء الملاك الجدد لم يكن لهم عهد ولا معرفة بالفلاحة) (٢)!

ظهر من ذلك أنه كان في إيران القديمة استعداد عجيب دائماً لقبول الدعوات المتطرفة الغالية، وكانت دائماً تحت تأثير ردود فعل عنيفة، وكانت تتأرجح بين (أبيقورية) (٣) جامعة، وتنسك مغال حيناً، وبن احتكار سلالي، أو طبقي، أو ديني، وشيوعية متطرفة، وفوضوية مطلقة حيناً آخر، أفقدها هذا التاريخ الاتزان والاقتصاد والهدوء!

وكانت الأحول سيئة جداً في هذه الإمبراطوريّة الساسانية، في القرن السادس المسيحي، فكانت تحت رحمة الملوك الذين كانوا يحكمون بالوراثة، ويرون أنفسهم فوق الناس، وفوق بني آدم، وكانوا يخاطبون بكلمة (الإله)،


(١) انظر (نامه تنسر) ط. مينوي: ١٣.
(٢) إيران في عهد الساسانيين: ٤٤٧.
(٣) مذهب (أبيقور) الفيلسوف الإغريقي الذي قال بأن المتعة هي الخير الأسمى.

<<  <  ج: ص:  >  >>